سمير عطا الله

التقينا في باريس ثلاثة: أحمد السعيد، رئيس مجلس إدارة شركة هرفي، وخالد المالك، رئيس تحرير «الجزيرة»، والثالث لا لقب ولا إدارة ولا رئاسة. حكيت لجنابكم غير مرة عن الصداقة التي جمعتني بداني توماس، أشهر كوميدي أميركي لعقود. أضحك داني الأميركيين على أخبار المهاجرين اللبنانيين الأوائل وبساطتهم في العالم الجديد. وكانت معظم النكات تجمع بينهم وبين البسطاء الأكثر شهرة وسذاجة، الآيرلنديين.


إحدى النكات تقول إن خال داني (طنوس) كان يلتقي في نهاية كل أسبوع اثنين من أصدقائه الآيرلنديين، فيتسامرون ويتبادلون رواية الذكريات. وكانت السهرة تبلغ ذروتها عندما يترك واحد الحلقة، ويتعين على الاثنين الباقيين أن «يحزرا» من ذهب ومن بقي!


تبادلنا، أحمد السعيد وخالد المالك وأنا، الأخبار والأحوال. روى السعيد أن شركة «هرفي» افتتحت 50 فرعاً جديداً ووزعت 35% أرباحاً سنوية، وأعطت لكل حامل سهمين سهماً إضافياً. وتحدث المالك عن مشاهير الزملاء الذين بدأوا معه محررين صغارا في «الجزيرة» وتحولوا إلى أركان الصحافة المكتوبة والمرئية والإلكترونية. وجاء دوري في التحدث، فأخبرت أنني انتهيت من وضع «مدن الصيف».


عندما شارفت الجلسة على الانتهاء، قررنا أن نطرح «الحزورة»: مَن من الثلاثة بدأ باكراً وخرج باكراً؟ أما القسم الثاني من «الحزورة» فهو من توقف عن كتابة المقالات لينشئ الشركات. السؤال الثالث والأخير، مَن من الثلاثي عرض عليه شراء سهم هرفي التأسيسي بـ35 ريالاً، ولم يتذكر إلا بعد أن أصبح 135 ريالا!


النجاح جميل. وأجمل ما فيه أنه غالباً مستحق. وأنا وافقت أنه لو بقي أحمد السعيد في عالم الحبر والورق، لكان قد نجح أيضا ووزع الأرباح كما نوزِّع، خالد المالك وأنا، كتبنا هدايا على الأصدقاء والزملاء. إن سعيت فإنك قد نجحت، وإن تكاسلت فهو أسوأ أنواع النوم في الحياة. الخسارة مع السعي عزاء. والخمول خطيئة. الثلاثة الذين التقوا في ردهة فندق باريسي، سعى كل منهم في حقله. أحمد السعيد في الإدارة الشاقة، وخالد المالك في أصعب الإدارات، فيما تهرب المحبِّر من مسؤولية التعاطي مع البشر. والحمد لله أنني اتخذت القرار مبكراً.


روى الكاتب الأميركي الساخر أرت باكوالد أنه تخلف في أوروبا بعد الحرب مجموعة من أصدقائه الصحافيين. وقرر أحدهم الانصراف إلى التجارة. وبعد سنوات قرروا إقامة مبنى للجمعية في باريس فجمعوا بعد عامين نحو ثلث تكلفته. وتذكّروا صديقهم، فذهبوا إليه وعرضوا عليه المساهمة. فكان جوابه: دعكم من المساهمة. كم هي تكلفة المبنى بالدولار؟