«عقيدة بوتين» تنهي مساعي «الناتو» الرامية للتقارب مع روسيا، ومواجهة «داعش» تبدأ من سوريا، وعودة مفاوضات السلام هي الطريقة الوحيدة لوقف الصراع بين تل أبيب و«حماس»، وتنمية قطاع غزة ينبغي أن تكون استراتيجية لتحقيق السلام.. موضوعات طفت على السطح في هذه القراءة الأسبوعية الموجزة للصحافة الأميركية.

روسيا و«الناتو»

تحت عنوان «الغزو الروسي يمثل نهاية مرحلة»، نشرت «يو إس إيه توداي» يوم الخميس الماضي، افتتاحية، استنتجت خلالها أن الجهود الرامية إلى جذب روسيا إلى المجتمع الغربي، أو حتى داخل حلف شمال الأطلسي قد انتهت بالفعل. الصحيفة ترى أنه بعد شهور من تسليح المتمردين في شرق أوكرانيا وإرسال قوات خاصة إلى هناك، وبعد إنكار فلاديمير بوتين أنه يغزو أوكرانيا، ها هو الآن يفصح عن موقفه الحقيقي تجاه ما يجري في أوكرانيا. فهو أرسل قافلة مدرعة إلى جنوب أوكرانيا لينقذ المتمردين الأوكرانيين من الهزيمة. هذا الموقف الروسي ليس مفاجئاً، فهو الموقف نفسه الذي اتخذه بوتين للسيطرة على شبه جزيرة القرم في الربيع الماضي، وكرر الرئيس الروسي النهج ذاته عام 2008 وتسبب في انفصال منطقتين عن جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة. لا شك أن الهدف الذي يسعى بوتين إلى تحقيقه هو السيطرة على أجزاء من شرق وجنوب شرق أوكرانيا إما بالاحتلال أو عبر التفاوض. وحسب الصحيفة، رفضَ أوباما أي تدخل عسكري في الأزمة الأوكرانية، انطلاقاً من أن دخول «الناتو» في حرب ضد القوات الروسية ليس خياراً واقعياً. وإذا كانت «عقيدة بوتين» تتمحور حول سياسة شن هجوم عسكري بذريعة حماية الناطقين بالروسية في دول الجوار الروسي، فإن هذا يؤشر لنهاية السياسات التي ينتهجها الغرب تجاه روسيا منذ نهاية الحرب الباردة. ويبدو أن محاولة الغرب لجذب موسكو نحو «الناتو» قد انتهت بسبب طموحات بوتين الإمبريالية التي يستخدمها لاعباً على وتر الحنين الموجود لدى الروس لأمجاد الماضي. والقرارات التي سيتخذها الغرب خلال الشهور المقبلة ستحدد ما الذي سيأتي في المرحلة المقبلة: هل تجدد المواجهة مع الروس، أو يمكن استعادة التعاون معهم في القضايا الحساسة مثل المفاوضات الخاصة بإنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني. أوباما وعد بتشديد العقوبات على روسيا، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ستضعف روسيا. لكن إذا واصل بوتين سياساته وأدرك أنه يتصرف دون محاسبة أو لديه حصانة، فإن على الغرب الاستعداد لاتخاذ مزيد من الخطوات العقابية ضد موسكو. وترى الصحيفة أن إرسال الأسلحة إلى الحكومة الأوكرانية خيار محتمل، لكن عواقبه غير واضحة، كما أن تقوية حلف شمال الأطلسي، وتكثيف عملياته في شرق أوروبا، تكتيك سيكون أكثر نجاعة حتى لو كان أكثر تكلفة. وحسب الصحيفة، فإن حسابات بوتين الخاطئة، دفعت التحالف الأوروبي الأميركي إلى التماسك، وذلك بدلاً من أن تنقسم القارة- إلى شطرين أحدهما مؤيد لموسكو، والآخر متحالف مع واشنطن. فألمانيا على سبيل المثال، التي تعتمد على روسيا في توفير احتياجاتها من الغاز والتي قد تتضرر شركاتها من فرض عقوبات على روسيا، قد وافقت على العقوبات، وهناك دول في أوروبا الشرقية- لها ذكريات مع الحكم الروسي- تطالب بوجود أكبر لحلف شمال الأطلسي على أراضيها، كما أن السويد وفنلندا وهما ليسا ضمن أعضاء «الناتو» قد عززا تعاونهما مع الحلف.

جبهة ضد «داعش»

أول أمس الاثنين، وتحت عنوان «كي نهزم داعش علينا التركيز على سوريا»، نشرت «نيويورك تايمز» مقالاً لـ«جولين بارينز داسي» زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية و«دانيال ليفي» مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس، استهلاه بالقول إن النجاحات التي أحرزها تنظيم «داعش» في العراق، وعودة الوجود العسكري الأميركي في شمال العراق، أعاد الانتباه من جديد إلى سوريا، البلد الذي استغل هذا التنظيم الإرهابي جاذبيته من خلال محاربة الحكومة السورية، الآن يستخدم «داعش» سوريا مقراً له وساحة لإعادة تنظيم صفوفه والحصول على المؤن والإمدادات. وفي العواصم الغربية، يتجدد السجال حول طريقة التعامل مع نظام بشار الأسد القمعي، وهناك خياران، أولهما التعامل مع بشار من أجل هزيمة «داعش»، وثانيهما تكثيف الاهتمام بالسياسة الراهنة، وتدشين معارضة سُنية قوية ضد الأسد. لكن الاعتماد على هذين الخيارين قد يبوء بالفشل، حيث لا يمكن احتواء التقدم الذي حققته «داعش» في سوريا من دون الاعتماد على القوة التي تحاربها وهي جيش بشار الأسد، وهذا خيار لن يحظى بالدعم المطلوب من السُنة، ولن يخفف من نفوذ «داعش» على المدى الطويل. ما يعني أنه يتعين على الغرب التصرف بعيداً عن هذين الخيارين وما ينطويان عليه من استقطابات. ويرى كاتبا المقال أن ثمة تفاهماً في العراق على أن تحقيق تقدم عسكري في مواجهة «داعش» يتطلب التحالف بين الحكومة والجيش الذي يسيطر عليه الشيعة، ويستوجب أيضاً التعاون مع حكومة كردستان. لا توجد رغبة في تكرار أخطاء 2003، والعودة إلى احتلال عسكري كامل للعراق، والجميع يعترف بأن الاحتواء السياسي وتعزيز السُنة خطوتين مهمتين للغاية هذه المرة. وعلى الساحة السورية، فإن أي نجاح في احتواء «داعش» يتطلب دعماً من جيش بشار وأكراد سوريا، ومثلما هو الحال في العراق، من المهم جدا الحصول على دعم السُنة كي يطردوا أعضاء تنظيم «داعش» من مجتمعاتهم. ما سبق يعني تدشين جبهة ضد «داعش» تتكون من النظام السوري وعناصر المعارضة السورية، بحيث يوجه كلاهما سلاحه نحو «داعش» وليس في وجه بعضهما البعض، وهذا مطلب إلى الآن لن يقبله بشار ولا القوى المعارضة لنظامه، علما بأن السير في هذا الاتجاه يتطلب من الغرب التخلي عن مطلب رحيل نظام الأسد. المقال أشار إلى أن سوريا بحاجة إلى تقاسم السُلطة، وهندسة عملية انتقال الحكم من بشار الأسد، لكن من غير الواقعي في الحالة السورية تكرار تجربة العراق المتمثلة في الإطاحة بالمالكي.

غزة.. ماذا بعد؟

في افتتاحيتها ليوم الأربعاء الماضي: وتحت عنوان «ماذا بعد في غزة» استهلت «لوس أنجلوس تايمز» افتتاحيتها بالقول إن التهدئة أو وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» الذي تم التوصل إليه يوم الثلاثاء الماضي، كان خطوة جيدة كونها تحمل وعوداً بنهاية صراع أودى بحياة مدنيين أبرياء. صحيح أن «حماس» وإسرائيل خاضتا من قبل مواجهات عسكرية، لكن هذه المرة كانت المواجهة طويلة ودموية. الصحيفة توصلت إلى استنتاج مفاده أن أفضل ضمانة لعدم تكرار الحرب بين الطرفين، تتمثل في إحياء مفاوضات السلام القائمة على مبدأ «الدولتين»، التي انهارت ربيع العام الجاري رغم جهود أميركية مكثفة لتحريكها. وعلى رغم ما تحقق من تقدم في قضايا متعددة شملتها الجولة الأخيرة من المفاوضات، فإن كلا الطرفين اتخذ خطوات تصعيدية، فمثلاً حنث نتنياهو بوعده الخاص بإطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، ومحمود عباس أغضب إسرائيل، عندما قدم عدة طلبات للحصول على عضوية مجموعة من الوكالات والمنظمات الدولية. وللوهلة الأولى قد يبدو إبرام اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية غير ذي صلة بغزة، التي تحكمها «حماس» الرافضة للاعتراف بإسرائيل وغير المنخرطة في «حل الدولتين». لكن «حماس» انضوت منذ وقت لاحق في حكومة وحدة وطنية مع عباس ما يقوي موقف هذا الأخير عند تفاوضه مع إسرائيل. وإذا كان عباس قادراً على تحقيق تقدم في التفاوض على دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه يتعين الضغط على «حماس» لتحسين موقفها وإما خسارة ما تحظى به من دعم شعبي. وإذا كانت لدى إسرائيل الرغبة في تهميش «حماس» فإن عليها محاورة عباس والتخلي عن الممارسات التي تلحق الضرر بعملية السلام كتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وخلصت الصحيفة إلى استنتاج مفاده أن تدمير البنى التحتية لـ«حماس» خلال الشهرين الماضيين، واغتيال بعض قيادات الحركة ليس هو الطريقة المثلى لمواجهة «حماس»، ذلك لأن إحراز تقدم على مسار «حل الدولتين» وتحسين حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، سيجعل من الصعب على الحركة اعتبار الصراع المسلح هو الطريق الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، سيجعل إسرائيل أكثر أمناً.

حرب مختلفة عن سابقاتها

وفي الموضوع ذاته، وتحت عنوان «سلام حقيقي لإسرائيل وغزة»، نشرت «كريستيان ساينس مونيتور» يوم الخميس الماضي، افتتاحية، استنتجت خلالها أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» يجب أن تتلوه عملية إعادة إعمار للقطاع الذي ينبغي أن يسيطر عليه فلسطينيون معتدلون في الضفة الغربية، والحل يكمن في أن تدعم إسرائيل عملية السلام وألا تكتفي فقط بوقف طويل للأعمال العدائية. وحسب الصحيفة، تختلف الحرب الأخيرة في غزة عن سابقاتها في أمرين، الأول: أسفرت الحرب عن تدمير الأنفاق السرية، وأودت بحياة كثير من قادة «حماس»، ما يشكل فرصة أمام سلطة فلسطينية أكثر اعتدالاً في الضفة تقود عملية إعادة الإعمار في القطاع، بحيث يكون الرئيس الفلسطيني هو القناة الوحيدة لقرابة 5 مليارات دولار ستأتي في صورة مساعدات خارجية من المانحين الدوليين لإعادة بناء المؤسسات والمنشآت المدنية والشريط الساحلي في القطاع. الثاني، المزاج العام الراهن في الشرق الأوسط والغرب عموماً غير متسامح مع أي من التنظيمات الإسلامية الراديكالية في المنطقة، فـ«حماس» الآن أكثر عزلة من ذي قبل بسبب التطورات الأخيرة في مصر، وبسبب حالة الضعف التي طالت تنظيم «القاعدة»، وصعود «داعش» في العراق وسوريا. وإذا كان بمقدور إسرائيل وغيرها من الدول مساعدة «عباس» في عملية إعادة إعمار غزة، فإن ذلك سيحد من جاذبية الحركة بين الغزاويين ويقوي موقف الفلسطينيين المعترفين بحق إسرائيل في الوجود، هذه المرة تستطيع إسرائيل أن تتحمل الدفع بتنمية غزة كاستراتيجية للسلام.

إعداد: طه حسيب
&