يوسف الكويليت

أثار سحب الجنسيات من الإرهابيين في بلدان عربية وأجنبية نقاشات حادة بين قانونية هذا الإجراء، وتعارضه مع الحق الذاتي، ولم يقتصر الأمر على تشريعات وضعت مفهوماً لاكتساب الجنسية سواء مكتسبة أو بالأصل والولادة، وهناك من فقهاء إسلاميين من رأى النفي والإبعاد، وحرمان الشخص المقترف للجريمة حقوقاً أخرى مثل السكن والامتيازات المادية، على أن يتم النفي داخل البلد، وهناك تعريفات تختلف حسب قوانين كل دولة، وفيما إذا تلحق عائلته بجرمه أم لا، إلى آخر تلك الحيثيات الطويلة؟

فهولندا، وبريطانيا شرعتا في سحب الجنسية، واعتبرتها بريطانيا «بأن المواطنة امتياز وليست حقاً».

وبعيداً عن التعقيدات الفقهية والقانونية، فإن مخاطر الإرهابي والذي يعد مخلاً بشروط مواطنته وتهديد سلامة بلده تجرده من هذا الحق، ولعل من اكتسبوها بالميلاد أو الإقامة أو غيرهما أن أهم الشروط ألا يهددوا أمن البلد الذي أعطاهم حق الهوية، ولعل المسلمين في أوروبا هم من قد يتعرضون لهذه الإجراءات باعتبارهم انقادوا إلى الانتماء للمنظمات الإرهابية بمحض إرادتهم، وهذا يهدد سلامة وأمن الدول التي منحتهم امتياز المواطنة، وهنا ستدخل هذه الدول في إشكالات طويلة، إذا ما أصبحت الدولة الأصلية لهذا المواطن رافضة عودته، أو إعطاءه هويته، وأخرى ترفض منحه حق اللجوء السياسي أو الإقامة المؤقتة مع فرض رقابة عليه بناءً على هذه المسببات..

الدول على حق في حماية أمنها وفق معايير حددتها دساتيرها وقوانينها ومنظمات حقوق الإنسان حتى لو استنكرت ورأت أن تلك الأعمال منافية للحقوق، فالموضوع شائك ومعقد، وقد رأينا دولاً مثل بريطانيا آوت إرهابيين ومعارضين لدولهم اتخذوا نفس النهج باعتبار أن الدستور يحمي اللاجئ لأنه مطارَد من بلده الأصلي، وقد يتعرض للأذى والقتل إذا ما أعيد لبلده الأصلي، وهي اعتبارات ليست في حقيقتها سليمة طالما تهدد هذه الفئات أمن بلدان أخرى باسم الحرية الشخصية، ولا ندري كيف ستدقق بريطانيا أو غيرها في هويات اللاجئين في المستقبل، وهي من أعلنت في الأيام الماضية الدرجة القصوى في استنفار أمنها؟

المأساة أنه لا يوجد تعريف حقيقي للإرهابي، ولا من تصدق عليه هذه الصفات وهل إرهاب الدول الراعية أو المنفذة للجريمة مثل إسرائيل، أو دول تحارب جنسيات من مواطنيها مثل إيران مع العرب سنة أو شيعة، أو العراق وسورية ودول أجنبية أخرى تدخل في هذا التعريف ويصدق عليها فرض عقوبات عليها؟

نعرف أن هناك دولاً عديدة استخدمت في خدمة أغراضها منظمات وجماعات وأفراداً للتجسس أو شن حروب وأعمال انتقامية لصالحها مبررة ذلك بحماية مصالحها وأمنها، وقد ثارت شكوك في نشأة جماعة الإخوان المسلمين من أعضاء انشقوا عنها، وأن بريطانيا ثم ألمانيا وأخيراً أمريكا كانوا الداعمين الأساسيين لها، تماماً مثلما كان السوفيات يدعمون وينشئون منظمات إرهابية يسارية تخطف وتقتل..

اقتلاع الإنسان من أرضه وهويته له تداعيات نفسية حادة، لكن كيف تدفع الدول ضرر أفراد في تحصين أمن مواطنيها، وأن التضحية بأعداد أحادية في مصلحة أمنية عليا وبأسباب ذهب إليها الإرهابيون طواعية وبخياراتهم الشخصية، تجعل المسألة القانونية حقاً تفرضه طبيعة الحصانة الوطنية ومسؤولية الدول حمايتها..

ما يجري على نطاق عالمي وعربي ليس دخيلاً على الوقاية من المخاطر، تعززه تجارب الدول وتواريخ العصور القديمة والحديثة لدفع المخاطر وحصرها في أصحابها.
&