زهير قصيباتي
&

&

&

&

&

&

&

&شكوى الروس من «لا شمولية» اللقاء الوزاري الأميركي- العربي في جدة، المتعلق بوضع الحجر الأساس للتعاون في الحرب على «داعش»، بذريعة أن اللقاء لا تحضره «كل الأطراف التي تكافح الإرهاب»، هي صدى لقلقهم من عزلة إزاء التحالف الدولي- الإقليمي الذي أقرت جامعة الدول العربية التنسيق والتعاون معه في الحرب على «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية. والشكوى عملياً هي لسان حال الإيرانيين الذين حرِصوا مرات خلال أيام قليلة، على التشكيك في جدية إدارة الرئيس باراك أوباما في خوض تلك الحرب، كأنهم يتمنون أن يؤدي أوباما قسطه في ما عجزوا عنه، ولمصلحتهم.

&

تريد إيران دوراً أميركياً «لتنظيف» العراق من التكفيريين، وتسليمه مجدداً إلى طهران على طبق من «جوائز». كما تسعى في آن إلى تشديد الضغط الحوثي على صنعاء، لمقايضة هذا النفوذ بتأهيل الرئيس بشار الأسد للبقاء في السلطة، على رأس مرحلة انتقالية. وإن لم يعد كل ذلك مجرد اجتهادات وتحليلات، فالمفارقة التي ترسخ شكوك الخليجيين في النيات الإيرانية حيال مرحلة الحرب على «داعش»، هي تلهّف طهران على التنسيق مع الأميركيين والإيحاء بأنها تقدّم تنازلاً، لتكافئها واشنطن بجائزة ترضية في الملف النووي.

&

اختراق آخر تحرص إسرائيل على الإيحاء به، هو ادعاء تسهيل الحرب الاستخباراتية على «داعش»، بالتالي تسهيل مهمة التحالف الدولي- العربي. وفي الحالين، ومع النيات الإيرانية والأهداف الإسرائيلية، تكبر مخاوف المعارضة السورية من بيعها مجدداً، خصوصاً إذا اعتبر النظام السوري أن الوقت بات مواتياً لحملة كاسحة على فصائل المعارضة المسلحة، تتزامن مع بدء الضربات الجوية الأميركية- الأوروبية على مواقع «داعش» في الأراضي السورية، المتاخمة للحدود مع العراق.

&

تدرك إدارة أوباما مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، ان القضاء على «الدولة الإسلامية» في العراق وتركها في سورية، سيضعفان ما تبقى من تماسك الائتلاف الوطني السوري والمعارضة المسلحة المعتدلة. وإن كان أوباما تجاهل مرات كل صوت في الكونغرس انتقد تخليه عن وعوده وتركه هذه المعارضة «في العراء» فهو بات الآن أمام استحقاق الانتخابات التي لا يمكنه جرّ الديموقراطيين فيها إلى هزيمة محتملة.

&

مخاوف المعارضة السورية المعتدلة تترسخ إزاء احتمال تعويم الأميركيين شرعيةً ما لنظام الرئيس الأسد، إذا صحّت معلومات عن سيناريو متجدد لمقايضة قبوله وقف النار بترك الأسد على رأس مرحلة انتقالية، ونشر قوات عربية لحفظ السلام بعد حظر جوي جزئي فوق حلب والمناطق المجاورة، انطلاقاً من عمليات جوية تستخدم الحدود التركية- السورية. وتتردد معلومات في سياق السيناريو ذاته عن تسهيل الأردن عبور عناصر مقاتلة حدوده مع سورية تحت غطاء جوي أميركي.

&

وإن لم تجد موسكو حرجاً في إعلان قلقها من احتمال تطوير مهمة أي قصف جوي لمواقع «داعش» في سورية، لتنتقل واشنطن إلى الهدف الثاني، أي تسليم «الجيش الحر» مواقع استراتيجية للنظام تدمرها، فلتركيا والأردن مخاوف أخرى. الأولى المتهمة بتسهيل عبور مئات من المقاتلين المتشددين إلى سورية، ستبدأ إحصاء خساراتها إذا قويت شوكة حزب العمال الكردستاني الذي ساهم في قتال «داعش».

&

أما الأردن الذي يشارك في لقاء جدة، فرغم نأيه بنفسه عن الحرب في سورية واستنفاره قواته على طول الحدود المشتركة معها ومع العراق، فلا يستطيع ترك تحالف انضم باكراً إلى نواته، من خلال نشر وحدات أميركية على تلك الحدود. وواضح حرص عمّان على عدم إعلان حجم الدعم الاستخباراتي واللوجستي الذي ستقدمه للتحالف الموسّع، في حين تنتقل إلى البرلمان الأردني مخاوف من تحوّل الحرب المقبلة إلى أهداف تخدم المصالح الأميركية أولاً.

&

ظاهراً، لن يكون مبرراً أن تمتنع أي دولة عربية عن دعم التحالف، بعدما تضخّم خطر «داعش» وبات يزعزع أمن لبنان ويثير ذعراً لدى الأردنيين، فيما لا يُعرف بعد حجم الضرر الذي تلحقه الغارات الأميركية بمواقع التنظيم في العراق.

&

استقطب التنظيم بعد كل ارتكاباته، إجماعاً على أولوية محاربته. وإذ تدرك حكومات المنطقة أن لا مفر من مواجهة عاجلة، لا يُسقط بعضها الاحتمالات السيئة وكلفتها:

&

- أن يجيّر النظام السوري الضربات الجوية الغربية لحسابه عسكرياً.

&

- أن توقع الغارات خسائر بشرية كثيرة في صفوف المدنيين في العراق وسورية.

&

- أن تحصد إيران الجائزة الكبرى بدحر «داعش» في العراق، أو على الأقل توزيع أدوار مع الأميركيين: لهم فضاء بلاد الرافدين، ولها الأرض ومكاسب النفوذ.

&

تطلب طهران بلهفة تنسيقاً مع الأميركيين، وتتردد في طي صفحة الفتور والشكوك مع السعودية. تبقى إيران موعودة بجائزة التطبيع مع واشنطن التي لا تستبعد سنوات من الحرب على «داعش» وإخوانه وأخواته. ولأن العرب بعد فظائع هذه «الدولة» لم يعودوا مخيّرين، ستنقلب أدوار، وتساهم دول في تمويل الحرب، ودفع أثمان أخرى... بدماء عربية.
&