«الإرهاب الإسلامي».. هل بات معضلة عربية؟

&
عندما شاهدت فيلم الفيديو الصادم والمروّع الذي يصوّر عمليات إعدام الصحفيين الأميركيين في العراق على أيدي إرهابيي «داعش» المتوحشين، انتابتني نفس المشاعر والأحاسيس التي راودتني يوم 11 سبتمبر 2001.

وقلت في نفسي: لقد ابتُدعت البربرية من أجل تكريس الحقد والغضب، ولقد نجحت في ذلك أيّما نجاح.

ولكن ما حدث في عام 2001 دفعني أيضاً إلى التساؤل: «لماذا يكرهوننا؟».


وحاولت الإجابة على هذا السؤال في مقال نشرته في مجلة «نيوزويك» والذي يبدو أنه ضرب القراء على الوتر الحسّاس.

وعلمت ذلك من خلال تعليقاتهم وردّات فعلهم.

وأعدت قراءة المقال بروّية وتأنٍّ حتى أحاكم نفسي وفقاً لمبدأ: «ما الصواب وما الخطأ فيما قلته»، وما الذي تعلمته من هذا الحدث الكبير خلال 13 عاماً؟.

وتوصلت إلى النتيجة المهمة التي تفيد بأن الأمر لا يتعلق بتنظيم «القاعدة» وحده.

وبدأت بالإشارة إلى أن ما يسمى «الإرهاب الإسلامي» لا يمثل بأي حال سلوكاً منعزلاً لمجرّد حفنة من شذّاذ الآفاق والمجرمين المنحرفين، بل إن هناك ثقافة أبعد مدى يعتنقها بعض «المقنّعين» المشاركين في الجريمة الذين لا يرغبون في مكافحتها ووضع حد لها.

وبدا لي من خلال إعادة التدقيق والتمحيص والتحليل أن مشكلة الإرهاب لا تتعلق بالمسلمين بقدر ما تتعلق بالعرب أنفسهم.

وأسوق فيما يلي بعض الأدلّة والمقارنات التي تبرّر هذا الحكم.

ففي بدايات العقد الأول من الألفية الثالثة للميلاد، كان اهتمامنا الأساسي نحن الأميركيون، مركّزاً على إندونيسيا بسبب سلسلة الهجمات الإرهابية التي شهدها ذلك البلد الذي يقع في أقاصي الأرض الشرقية قبل هجمات 11 سبتمبر 2001.

إلا أن العقد الماضي شهد تراجعاً كبيراً في نشاط الحركات «الجهادية» والأصولية الإسلامية في إندونيسيا.

ويقتضي الأمر هنا الإشارة إلى أن إندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية في العالم من دون منازع.

وهي أكبر من العراق وسوريا ومصر وليبيا ودول الخليج العربي مجتمعة.

ويمكنك أيضاً أن تنظر إلى ما حدث في الهند التي تجاور المعقل الذي يتوارى فيه أيمن الظواهري (باكستان) والتي يبلغ عدد مسلميها 165 مليوناً إلا أن حفنة صغيرة منهم فحسب هي التي انخرطت في تنظيم «القاعدة» الإرهابي.

وربما يكمن هنا بالضبط السبب الذي دفع الظواهري قبل أيام إلى الإعلان عن نيته تجنيد عدد أكبر منهم لتشكيل ما يسمى «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة الهندية».

وأنا أشك في أنه سينجح في هذا المسعى.

وأما العالم العربي، فلقد شهد فترة من الضياع والتحلل والانهيار السياسي خلال السنوات الماضية.

وهذا ما أدى إلى توفير التربة الخصبة لإنتاج الفكر الجهادي المتطرف والتعصب الأعمى لشعارات منحرفة تتعارض مع التعاليم الأساسية للدين الإسلامي الحنيف.

ومع حلول عام 2001، كانت الغالبية العظمى من دول العالم قد حققت نقلة نوعية مهمة في مجال الإصلاحات السياسية مثلما حدث في أوروبا الشرقية وآسيا وأميركا اللاتينية.

وحتى أن العديد من دول أفريقيا تمكنت من تنظيم انتخابات ديمقراطية حرة.

فما الذي كان يحدث في العالم العربي في تلك الفترة؟.

لقد بقي العالم العربي يشكل «صحراء سياسية جرداء».

وفي عام 2001، تمتع العرب بحرية أقل من التي كانوا يتمتعون بها عام 1951، أي غداة حصولهم على الاستقلال عن الدول التي كانت تستعمرهم.

وعندما أثبت الحكام الاستبداديون ذوو الميول الغربية فشلهم في حكم بعض بلدان العالم العربي من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عَلَت أصوات الأصوليين وصرخوا بشعار لا يفهمونه حق الفهم: «الإسلام هو الحل».

وسارع الحلفاء الأساسيون للولايات المتحدة إلى دعوها للتدخل عسكرياً لدحر «داعش» في العراق عندما بلغت الأمور من الفوضى والتعقيد ما دفع أوباما إلى القول في خطاب ألقاه هذا الأسبوع على هامش اجتماع دول «الناتو» في مقاطعة ويلز الإنجليزية بأن حلفاء الولايات المتحدة أصبحوا جاهزين للقيام بعمل عسكري جماعي لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم العدو للإنسانية.

وفي خضم هذه الأحداث السياسية العاصفة، بقي العالم العربي منقسماً بين ديكتاتورية لا تتخلى عن السلطة، ومعارضة تتألف من مجموعات يغلب عليها طابع الضياع السياسي.

وفي مصر مثلاً، بدا وكأن الخيار القائم أثناء الثورة هو بين حسني مبارك أو «تنظيم القاعدة».

وظهر واضحاً أثناء هذا الصراع الاستقطابي المرير بأنه كلما زاد النظام في قمعه، كلما زادت المعارضة في عنفها.

وبدا لي في ذلك الحين أن «السرطان» كان أكثر انتشاراً وقدرة على تدمير الجسم السياسي لمصر مما كنت أعتقد من قبل.

وحتى بعد سقوط صدام حسين في العراق، وبالرغم من أحداث «الربيع العربي» الساخنة، فإن العلاقة الوطيدة بين الديكتاتوريين والجهاديين لم تنقطع أبداً.

ولو أمعنت النظر فيما حدث ويحدث في سوريا لوجدت بكل بساطة أن بشار الأسد لا يزال يقدم لتنظيم «داعش» جميع أشكال الدعم، ويشتري منه النفط والغاز «السوري»، ولا يتوقف عن إمطار معارضيه من الثوار السوريين والجيش الحر بالقنابل والبراميل المتفجرة.

وكان الأسد يلعب نفس اللعبة الديكتاتورية العتيقة عندما استقدم «داعش» لخلق عدو جديد موازٍ للمعارضة، وأوحى لشعبه بأنه أمام خيارين لا ثالث لهما: «إما أنا أو داعش».

وكان من الطبيعي أمام هذا الوضع المحرج أن تعمد الأقلية المسيحية إلى اختياره.

ولعل هذا العرض يكفي لشرح الأسباب التي دفعت الإرهاب المتطرف في العالم العربي إلى تبنّي هذا الخط من العنف والوحشية والبعد عن الإنسانية.

&

ينشر برتيب خاص مع خدمة&«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
&