علي نون


لم يطل الأمر قبل أن تخرج بطريقة منسقة ومفهومة ردود المتضررين في محور الممانعة على قرار الرئيس باراك أوباما ضرب «داعش» في العراق وسوريا: موسكو رأت أن القضية تحتاج الى قرار من مجلس الأمن. وطهران أعلنت أن لديها «علامات استفهام» عن «جدّية وصدقية» الحرب ضد الإرهاب. وسلطة الأسد أعلنت بعد ذلك، أو قبله لا فرق، أن أي عملية عسكرية من دون «التنسيق» معها ستعتبرها اعتداء».

طبعاً عندنا في لبنان، كان نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قد سبق الجميع بتشكيكه بتلك الحرب وبنيّات أصحابها وبنتائجها انطلاقاً من قناعته الراسخة بأن «داعش» هو الاسم الحركي لباراك أوباما!

طبيعي كل ذلك الكلام وأكثر. ولا يفاجئ أحداً، ولا يُفترض أن يفاجئ أحداً. لكنه غير طبيعي في توقيته! وتعوزه «بعض» الصدقية! بحيث أن «مناشدة» أوباما للتصرف بسرعة في العراق بعد «سيطرة» الأحجية المسماة «داعش» على الموصل والأنبار ونينوى وصلاح الدين في منتصف حزيران الماضي، كانت لجوجة وملحاحة ولم تشترط قراراً من مجلس الأمن، كما لم تلحظ أي تشكيك في همّة الأميركيين، ولم تطرح أي أسئلة عن صدقيتهم، بل جرى في الواقع تلبية شرط معاكس لهم قضى بإرسال نوري المالكي الى البيت!.. بل إن إيران أبدت، ولا تزال، كل استعداد فعلي لمشاركتهم في العمل الميداني.. بل إن كثيرين من الذين يعرفون ويسمعون ويراقبون، يقولون إن هناك نوعاً من التنسيق الميداني الحقيقي جرى ولا يزال يجري فعلياً بين الطرفين في العراق.. بل إن كثيرين سمعوا قبل أيام معدودة قراراً من «المرشد» يبيح لضباط إيرانيين التواصل مع نظرائهم الأميركيين.. رسمياً وشرعياً!

وتعوز المواقف المستجدة لقوى «المحور» الممانع أيضاً «بعض» الصدقية باعتبار أن الوزير الخطير وليد المعلم كان قدم وعلى الهواء مباشرة، مطالعة فخمة عن مضمون بائس عندما أكد «استعداد» سلطة الأسد «للتعاون والتنسيق» مع «أي جهة» لمحاربة الإرهاب! ومن يريد التأكد، يستطيع العودة الى الأرشيف: لم تُسمع كلمة واحدة عن مجلس الأمن ولا عن اشتراط صدور قرار رسمي يشرعن الحرب. ولا غير ذلك من تركيبات لغوية، لا معنى لها في الواقع، إزاء ما سيحصل.

وحده الموقف الروسي يبدو متماسكاً لاعتبارات تتصل بتوسع نطاق ومساحة الخلاف بين الامبراطور الموعود بوتين والغرب في الإجمال. وبديهي في ذلك، أن تركب النكاية والكيد في مكان المنطق وتأخذ لعبة لحس المبرد مداها وإن كانت مموّهة بلعبة كرة الطاولة: ضربة مقابل ضربة.. وإن كانت كل ضربة تكلّف روسيا أثماناً باهظة وتدفعها خطوة وراء خطوة للعودة الى عصر «الرخاء» السوفياتي العظيم!

والحاصل هو أن أحد أبرز الأسس التي بُني ويُبنى عليها التحالف الدولي الإقليمي الراهن، هو اعتبار الحرب ضد الإرهاب شاملة وليست مجتزأة أو ناقصة، وحاسمة وليست مرحلية أو موضعية. وهذا يعني أن استمرارها ونجاحها في العراق استوجب تغيير الطقم السياسي الذي يقوده المالكي، واستمرارها ونجاحها في سوريا يستدعي إجراء مماثلاً يطال الطقم الذي يقوده الأسد.

.. وإلا كانت الحرب في خلاصتها تكريساً لسلطة الأسد وإحياء لنظامه، وهذا أمر هستيري تام! وبالتالي لا يمكن إيران تحديداً (ولا روسيا) أن تقبل شيئاً في العراق وترفضه في سوريا.. لم تصل الهستيريا الى حد اعتبار قوات التحالف الدولي الإقليمي جزءاً من الفرقة الرابعة في جيش الأسد!

طبيعي بالتالي أن يستثني أوباما قوى «المحور» من حربه. وأن يُعقد اجتماع جدة في غيابها.. وأن تشترط موسكو، وتشكك طهران، ويرفض المعلم، ويبقى الشيخ قاسم عند يقينه ولا يتزحزح!