سلمان الدوسري

أخيرا اقتنعت واشنطن بصواب الرؤية السعودية في محاربة الإرهاب، من خلال استراتيجية شاملة، وليس فقط معركة وقتية ومختارة. أخيرا بدأت الولايات المتحدة فعليا الخطوة الحقيقية لحرب طويلة ضد الإرهاب، حرب لن تستكين فيها المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، عن الرد بقسوة وشراسة في كل مكان. لكن مهما كانت هذه القسوة والشراسة، فإنها ستتضاعف كلما تأخر اللحاق بركب محاربة جذورها ومنابعها.


لو خطت واشنطن هذه الخطوة مبكرا وقبل عامين فقط، لما تمددت «داعش» وأضعفت المعارضة السورية المعتدلة بالسيطرة على مناطقها. لما احتلت ثلث العراق. لما روعت الآمنين والأقليات. ولما قتلت صحافيين أميركيين! لو فعلتها واشنطن مبكرا، لما تراوح عدد مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق «بين20 ألفا و31 ألفا و500 مقاتل»، وفق وكالة الاستخبارات الأميركية.


ولو تردد العالم أكثر، سنجد أنفسنا بعد عام أو اثنين أمام كارثة لا يمكن تصورها. من يدري، ربما لن تكون في الشرق الأوسط كالعادة، بل على أراضي أوروبا وأميركا.


كل المعايير التي يعتمد عليها الغرب في تصنيف المنظمات الإرهابية، تبدو مطاطة، ولا تتناسب مع البعبع الذي يهدد العالم بأسره؛ فعندما يغض النظر عن إرهاب «حزب الله» وسيطرته على مؤسسات الدولة، وتنافسه في التسلح مع الجيش اللبناني، فإن ذلك يفتح الباب واسعا لأن يكرر الحوثيون فعل حليفهم وكبيرهم، نجدهم يطرقون باب صنعاء للاستيلاء على الحكم، طلبا لتحويل اليمن بأكمله دولة إرهابية. أما العالم فلا يراهم إرهابيين، كما لا يرى «حزب الله» كذلك.


الحقيقة هي كما أن هناك إرهابا وتطرفا سنيا، فهناك أيضا إرهاب وتطرف شيعي. التحالف الدولي لن ينجح، ولن يصل إلى مبتغاه ما لم يكافح الإرهاب شيعيا كان أو سنيا.
لا يمكن لك أن ترى «داعش» خطرا داهما، وتعتقد أن جبهة النصرة أو جماعة الحوثي و«حزب الله» ليست كذلك، لا يمكن أن تخشى خطر «القاعدة»، وأنت لا ترى الخطر ذاته من الميليشيات المتطرفة التي تصدر الإرهاب للعالم من ليبيا.


التعقيدات التي أعقبت «الربيع العربي»، لم تربك فقط مواطنين وسياسيين وحتى مسؤولين عربا، بل أربكت أقوى دولة في العالم، وإلا من يصدق أن واشنطن باستخباراتها ومراكز بحوثها وعيونها التي لا تجفل، تغفو عن تنظيمات إرهابية تبدأ مجموعات صغيرة، ثم سرعان ما تضم في عضويتها عشرات الألوف من المقاتلين.


التعقيد الأكبر كان في ازدواجية المعايير التي وضعتها واشنطن للمجموعات الإرهابية، فلم تعد هناك مسطرة واحدة، يمكن عبرها قياس ما هي المنظمات الإرهابية، وما هي التي ليست كذلك، وهو ما استوعبته الإدارة الأميركية في الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما الأربعاء الماضي، وأكد عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال مشاركته في اجتماع جدة لبناء تحالف إقليمي ضد الإرهاب.


التردد الأميركي بات سمة واضحة في إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو ما أثار الشكوك في مصداقية واشنطن وقدرتها على محاربة التنظيمات الإرهابية. اليوم مع تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب و«داعش»، تبدو هذه الفرصة الأخيرة لأن تحافظ الولايات المتحدة على ماء وجهها، لأن تحافظ على هيبة أقوى دولة في العالم. لا يجوز لها أن تتقاعس وتعود للتردد في منتصف الطريق. لو فعلتها ستكون قد قضت على البقية الباقية من احترام العالم لها.