يوسف القعيد

&

&رغم ورود كلمة الجمال فى عنوان الفيلم كصفة لما هو أمريكي. فإن الفيلم الذى شاهدته منذ سنوات قدَّم القبح الأمريكى فى أهم تجلياته إن كان للقبح تجليات رأيت العزلة القاتلة التى توصل الناس للجنون. والمشاعر التى ليست مشاعر. ومجتمع الوفرة التى لا تشعر الإنسان بالأمان الذى توفره الوفرة. الواقع الذى أصبح قطعة من الجحيم.


ما زلت أذكر أن هذه المعانى المفزعة قدمها الفيلم بشكل جميل وعذب. حتى أن المشاهدين من أبناء العالم الثالث حلموا بآن يستبدلوا مشكلاتهم اليومية التى لا نهاية لها بهذه المشكلات المرفهة أو الناعمة التى يعانى منها الإنسان الأمريكى. تذكرت الفيلم عندما خرج علينا بركة حسين أبو عمامة الذى يسمونه: باراك أوباما. ساكن البيت الأبيض. ليعلن الحرب على داعش.

قلت لنفسي: ما أشبه الليلة بالبارحة. تذكرت عندما وقف رئيس أمريكى سابق. ليعلن الحرب على القاعدة. ثم يعلن الحرب على طالبان. ثم يعلن الحرب على متطرفى باكستان، ويعلن الحرب على شباب الصومال.

حجة أوباما أن تنظيم داعش يشكل خطراً على الإنسانية. تصور السُذج أن قتلهم صحفيا أمريكيا هو الذى حرَّك أوباما. علماً بأن الصحفى كان يحمل الجنسية الإسرائيلية. وكان دائم الانتقاد لما يقدم عليه أوباما فى كتاباته. ثم إننا نجرى وراء الأخبار دون أن نتوقف لكى نسأل أنفسنا: هل ثمة دور للولايات المتحدة الأمريكية فى نشأة هذا الخطر الجديد؟.

لست من هواة الأسئلة الافتراضية. لأن السؤال الافتراضى يقترب من التساؤل. والفارق بين السؤال والتساؤل أن السؤال بحث عن إجابة. والتساؤل تعبير عن هاجس الرغبة فى طرحه. ولكن سبب السؤال أو التساؤل ما عرفناه من الدور الأمريكى فى قيام القاعدة. والدور الذى لعبته. بل والأفعال التى تتناقض مع مبادئها مثل تجارة المخدرات التى أقدمت عليها لتمول بعض العمليات الخاصة التى تُمكِّن أمريكا من مساعدة مثل هذه التنظيمات.

جاء جون كيرى لجدة. واجتمع مع أطراف عدة. من بينها بلدى مصر. ولأن أمريكا تحكمها قواعد المافيا. وتقود تصرفاتها أفكار الكاوبوي. فقد جلس مع عدد من وزراء الخارجية من بينهم وزير خارجيتنا سامح شكري. ونسى كيرى أو تناسى أو شاء أن ينسى كل تحفظاتهم على الوضع السياسى الراهن فى مصر. وأصبحت مصر مهمة بالنسبة لهم. بشرط أن تصبح ترساً فى الآلة التى يشكلونها الآن لضرب داعش.

لا أحب أن يُفهم من كلامى أى تعاطف مع داعش. ومن قبل لم أتعاطف إطلاقاً مع القاعدة. وحتى عندما ضرب العدو الصهيونى حماس. حزنت على أهل غزة وتدمير حياتهم. ولكن يظل بينى وبين حماس تساؤلات حول مواقفها الداخلية من الحريات والفنون والآداب والرياضة والاختلاط. لكنى أعترف أن كل هذه الأسئلة تراجعت أو ربما تبخرت عندما كان العدو الصهيونى يدمر غزة. بل إننى تحدثت طويلاً عن هزيمة الصهاينة. لكنى لم أذكر انتصار حماس.

سواء كانت داعش صناعة القاعدة أم صناعة الغرب أم صناعة الولايات المتحدة الأمريكية. فهى ظاهرة من المفترض أن نكافح جميعاً كما كتب رجائى عطية فى المصور يرجو كل القتلة الذين يقتلون الآن باسم الإسلام أن يبعدوا الإسلام عن طريقهم. وأن يخرجوا الإسلام من خطابهم. وأن يجعلوا بينهم وبين الإسلام أكبر مسافة ممكنة. فلست فى حاجة للقول إن الإسلام بعيد عما يقومون به.

ما ساعد أوباما على خلق المناخ المليودرامى الذى أعلن فيه معلوماته غير الدقيقة عنا. أن الأمور تواكبت مع مرور 13 عاماً على ضرب برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك. احتفل الأمريكان على طريقتهم بالقتلي. وأقاموا مناحات تتناقض مع موقفهم من فكرة الحزن. لكن الأسئلة المثارة حول الحادث ما زالت مثارة حتى الآن.

ثلاثة عشر عاماً مرت. ومع هذا لم نعرف أين ذهبت هياكل الطائرات التى ضربت البرجين وضربت مقر البنتاجون؟ وفى هذه الهياكل أجزاء لا يمكن أن تنصهر مهما كانت درجة الحرارة الحادثة عن الانفجارات. أيضاً لم نعرف ماذا جرى مع من اعتبرتهم أمريكا من المتهمين وأقامت لهم معسكراً فى جوانتانامو. لم يصل إلى علمنا من هم؟ ولا أدوارهم فيما قاموا به؟ ولا التحقيقات التى تمت معهم.

السؤال الأهم بالنسبة لى شخصياً: لماذا لم يذهب العاملون اليهود إلى البرجين يومها؟ هل كانوا يعرفون؟ هل كان هناك تحذير لهم من عدم الذهاب؟ وأنا آسف لاستخدام كلمة يهودي. فلست ضد اليهودية كدين. ولكنى ضد العدو الإسرائيلى والممارسات الصهيونية. لكن جميع الذين تعودوا الذهاب للبرجين من اليهود امتنعوا عن الذهاب فى هذا اليوم الذى لم يكن يوم سبت ولا أحد. بل كان يوم ثلاثاء.

ها هى أمريكا تجر العالم لحرب جديدة. وكنت أتصور من المفكرين الأمريكان الأحرار. وأهمهم نعوم تشوميسكى أن يستجوبوا الإدارة الأمريكية حول دورها فى تأسيس هذه التنظيمات وإنفاقها عليها من أجل ضمان تشويه صورة الإسلام. وبحثاً عن حروب فى كل مكان من الأرض. ويجب ألا ننسى أن صناعة السلاح من الصناعات المهمة فى التركيبة الاقتصادية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام.

وفى الوقت الذى تفاجأ فيه أمريكا بخلو العالم من الحروب تفزع. قال هذا علانية وبصراحة أكثر من مرة هنرى كيسينجر. فالبحث عن العدو جزء أساسى من الاستراتيجية الأمريكية. وإن لم يوجد العدو. فإنهم يحاولون اختراعه. لأن فوائد وجوده أضعاف مضاعفة لما يمكن أن يعود عليهم من غيابه.

أثلج صدرى ما قاله سامح شكرى وزير خارجيتنا من أن مشاركتنا فى أى عمليات عسكرية لم تتقرر. وكنت أتمنى أن يكون ذهابه إلى جدة مشروطاً بشروط مسبقة. فلم تعد مصر فى ظل وضعها الجديد وقيادتها الجديدة احتياطيا استراتيجيا فى المنطقة. لا لأمريكا ولا لغيرها. وأن مفهوم الأمن القومى المصرى يبدأ من حدود مصر.

لا أهدف إلى أن تعيد مصر النظر فى قوميتها ودورها العربى المحوري. وريادتها للعالم الإسلامي. ولكن لا بد أن تحذر مصر من أى استخدام لها. خصوصاً أن الأمريكان يقولون إنهم سيضربون داعش فى العراق وسوريا على طريقة تحرير الكويت.

&