‏ جلال أمين

ها قد مرت 13 عاما على 11 سبتمبر 2001، الذى «ملأ الدنيا وشغل الناس» أقصد بالطبع تفجير البرجين الكبيرين فى نيويورك وضرب وزارة الدفاع فى واشنطن.


خلال هذه الفترة حدثت أشياء وتفجيرات كثيرة بعضها وصف بالإرهاب كتفجير قطار فى أسبانيا، وحافلة ركاب فى بريطانيا، وجرائم جماعة داعش فى سوريا والعراق، وبعضها لم يوصف بالإرهاب، كقيام أمريكا وحلفائها بضرب وتدمير العراق فى 2003، وضرب وتدمير ليبيا فى 2011، وضرب إسرائيل لغزة فى 2014 ... الخ.

مع أن هناك «إرهابا» أو «تخويفا» فى كل هذه الحالات، خلال هذه الثلاثة عشر عاما لم تغير الإدارة الأمريكية قناعتها بإن الذى دمر البرجين وضرب وزارة الدفاع مجموعة من الأشخاص المصريين والسعوديين، كما أنى لم أغير قناعتى بأن الذى دبر هذا وذاك أشخاص ينتسبون إلى الادارة الأمريكية نفسها، أكثر مما ينتسبون لمصر أوللسعودية.

الحقيقة أن هذه الفكرة (أى أن الأمريكيين هم الذين دبروا أحداث 11 سبتمبر) وردت بذهنى بعد معرفتى بالحادث بساعتين أو ثلاث، ولكن لم يحدث خلال الثلاثة عشر عاما التالية ما يغير رأيي.

بل كل ما سمعته وقرأته مما له علاقة بالحادث، أكد لى أنى على صواب وقد يكون من المفيد أن أذكر للقارئ بعض هذه الأشياء التى أكدت لدى هذا الاقتناع، والتى قد لا يكون القارئ قد قرأها أوسمع بها، أو قد يكون قرأها أوسمعها ولكنه نسيها، إذ أنى أعتقد أيضا أن من بين ما يعتمد عليه المدبرون الحقيقيون لهذه الأحداث،، والمروجون للاتهامات الظالمة، أن «آفة الناس النسيان».

عندما سمع المصريون بهذا الاتهام المدهش، بأن مصريين اشتركوا فى أحداث 11 سبتمبر، أصابهم بالطبع الذهول وعدم التصديق، بمن فى ذلك رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت (حسنى مبارك) الذى أعلن بصراحة رفضه لهذا الاتهام، أذكر أيضا أن بعد الحادث بأيام قليلة نشرت جريدة الأهرام لأستاذ فى كلية الهندسة فى مصر (نسيت اسمه للأسف) مقالا يشرح فيه كيف أن هناك من الوسائل التكنولوجية الحديثة ما يجعل من السهل توجيه طائرة من جهاز ثابت على الأرض، لضرب هدف ما، كالبرجين مثلا، وتدميرهما، دون حاجة إلى وجود إرهابيين على هذه الطائرة،

أذكر أيضا أن جريدة بريطانية نشرت بعد الحادث بأسابيع قليلة أن مؤسسة قانونية محترمة فى بريطانيا صرحت بأن الأدلة التى اعتمدت عليها الادارة الأمريكية فى توجيه الاتهام بشأن هذا الحادث، ليست فقط غير كافية لإدانة المتهمين، بل لا تكفى حتى لتقديمهم للمحاكمة. ما اذكره ايضا حديث نشر فى جريدة مصرية لوالد احد المتهمين المصريين ينفى فيه على نحو مقنع للغاية أى أساس لاتهام ابنه، ويقدم من الادلة من جانبه ، على استحالة وجود ابنه فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت، أو اشتراكه على اى نحو فى تدبير الحادث .

ثم جاءتنا اخبار عن ان بعض الاسماء التى ذكرت لسعوديين متهمين فى الحادث قد وافتهم المنية قبل الحادث بفترة طويلة ومثل هذا كثير، بالاضافة إلى كتاب شهير لمؤلف فرنسي، ومليء بالادلة التى تدحض هذه الاتهامات وتشير بالاتهام إلى الادارة الامريكية نفسها .

لقد نسيت انا ايضا تفاصيل كثيرة تتعلق بهذه الاتهامات ودحضها، ولكن هذا النسيان للتفاصيل لم يؤد بى بالطبع فى تغيير رأيى فى المدبر الحقيقى لهذا الحادث، ولكن من الاشياء التى لم انسها ان رئيس الجمهورية المصري، بعد ايام قليلة من اعلانه نفيه القاطع لفكرة اشتراك مصريين فى هذا الحادث، قام برحلة مفاجئة الى فرنسا (والظاهر انه استدعى الى فرنسا على عجل) حيث قابل الرئيس الفرنسى فى ذلك الوقت، شيراك (وكانت علاقة فرنسا بمصر فى ذلك الوقت اقوى من علاقة مصر بالدول الأوروبية الاخري) ونشر وقتها ان الرئيس الفرنسى .

نصح الرئيس المصرى بتغيير موقفه (وقد فهمت انا ماحدث على النحو التالي: الولايات المتحدة اتصلت بحليفها شيراك، وافهمته ان الأمر جد، وانها لاتقبل التشكيك فى الرواية الرسمية، وطلبت منه ان ينقل هذه الرسالة لصديقه المصرى ففعل) وفعلا لم يصدر من الرئيس المصرى بعد هذه الزيارة شيء ينفى الرواية الرسمية، بل اشترك الجميع، فى مصر وخارجها، فى نفس الهستيريا الجماعية بقبول الاتهام الذى وجهته الادارة الامريكية للعرب والمسلمين، والذى بدأ باتهام السعوديين والمصريين .

من بين الاسباب المهمة التى تجعل من الصعب جدا على قبول الرواية الرسمية عن احداث 11 سبتمبر (وهو سبب على اهميته اجد من الغريب ندرة ذكره) هو ان هذا الاتهام يفترض اشياء من الصعب جدا تصديقها بل حتى تصدرها فالمفترض فى هذا الاتهام.

ان هناك مجموعة كبيرة من الرجال، يشعرون بالولاء التام لقضية الاسلام والمسلمين بدرجة تدفعهم الى التضحية بأنفسهم طوعا من اجلها .

كم من الناس، ممن نعرفهم او نسمع منهم، يمكن ان تتوفر فيه هذه الصفة (الولاء لدرجة التضحية طوعا بالنفس) وماهى بالضبط رؤية هؤلاء لقضية الاسلام والمسلمين اليوم التى يضحون بأرواحهم من اجلها ؟ ولماذا لا يفصح هؤلاء بوضوح أكبر عن ماهية هذه القضية وعن مضمون طلباتهم بشأنها؟ وكيف بالضبط يأمل هؤلاء الناس فى أن يؤدى تدمير بعض الابراج والمنشآت إلى تحقيق مصلحة الاسلام والمسلمين ؟ وما الذى حدث بالفعل خلال الثلاثة عشر عاما التى انقضت منذ 11 سبتمبر 2001 ما يدل على ان مثل هذه التفجيرات قد أسهمت فى تحسين احوال الاسلام والمسلمين، مما قد يقنع غيرهم بأنه عمل مثمر يحسن تكراره؟ بل ما الذى انجزه التنظيم المسمى بالقاعدة خلال فترة اطول بكثير لصالح الاسلام والمسلمين؟.

لم أصادف طوال هذه الفترة أى اجابة يمكن ان تقنع اى شخص، ولو كان صبيا صغيرا، بأنه من الممكن ان يكون المقصد بهذه التفجيرات هو تحقيق مثل هذه الاهداف، لابد اذن ان يكون الهدف شيئا آخر .
&