علي بن طلال الجهني

وهذا العنوان مأخوذ من المقدمة التي كتبها الراحل الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، بصفته مترجماً لأهم كتاب يفسر ظاهرة الإرهاب، وهو كتاب «المؤمن الصادق»*¹ الذي نشرته بالعربية «العبيكان»، و«كلمة»*² الإماراتية، في صيف 2010 بينما كان الدكتور غازي مريضاً بالمرض الذي لم يشف منه.

&

وقد قال عن كتاب «المؤمن الصادق» إنه الكتاب الذي «وجدت فيه جواباً شافياً عن سؤال شغلني منذ أن بدأت ظاهرة الإرهاب تشغل العالم، وهو: لماذا يصبح الإرهابي إرهابياً؟».

&

ثم يضيف بعد بحث واستقصاء والاطلاع على كم هائل من المعلومات عن الإرهاب، تنظيماته وقادته وأساليبه وأدبياته وتمويله، إلا إنه لا توجد كتابات تضيء عقل الإرهابي من الداخل.

&

«ثم شاءت المصادفة أن أتعرف إلى هذا الكتاب... فوجئت بأنني عثرت أخيراً على ضالتي، وحيث لم أتوقع:

&

في كتاب لم ترد فيه كلمة الإرهاب، ونشر في زمن لم تكن فيه ظاهرة الإرهاب معروفة.

&

إلا أن الإرهاب وليد التطرف والكتاب معنيٌ بالتطرف: جذوره وبذوره».

&

وقبل أن يقرأ المرحوم القصيبي «كتاب المؤمن الصادق» كتبت مقالات عدة، مصدرها الأساسي هو ذلك الكتاب، وكان أول من يقرأها وقبل نشرها هو المرحوم الصديق غازي، ولعل تلك المقالات مما أقنعه بأن يتولى بنفسه ترجمة كتاب «المؤمن الصادق».

&

ومما جاء في إحدى المقالات*³ التي كُتبت قبل أن يبدأ القصيبي ترجمة الكتاب بأسلوبه الجزل الرائع، بعنوان «المشترك بين قتلة أنفسهم»:

&

لنفرض جدلاً، كما يزعم الكثيرون من عرب وأجانب، أن الذي دفع ويدفع الآلاف من شباب المسلمين إلى قتل أنفسهم هو البحث عن «أقصر» الطرق إلى الجنة والفوز بـ«بنات الحور»، وإذا فرضنا أن هذا الزعم صحيحاً، فالسؤال الذي يملي المنطق طرحه هو:

&

إذاً ما الذي يدفع «التاميل» الهندوك في سيرلانكا وفي الهند إلى قتل أنفسهم حالياً وفي الماضي القريب؟

&

وما الذي دفع الملحدين الشيوعيين في «موسكو» وفي «بيترزبرغ» في ما بين وخلال 1915 و1917 في روسيا إلى قتل أنفسهم؟

&

وما الذي دفع المسيحيين المتشددين في وطنيتهم من «النازيين» الألمان وغير الألمان في ما بين وخلال الأعوام 1930 و1932، إلى قتل أنفسهم؟

&

لا بد أن يكون هناك سبب آخر أو أسباب أخرى تدفع شباب المسلمين إلى قتل أنفسهم، غير أو إضافة إلى «البحث عن أقصر الطرق» إلى الجنة؟

&

ولو كان هذا هو السبب الوحيد، لكان هناك عدد من «الانتحاريين المسلمين» لديهم من الفطنة ما يكفي لسؤال القادة الذين جندوهم، ما الذي يمنعكم يا قادتنا من الاستشهاد حالاً للوصول إلى الجنة بالسير في أقصر الطرق إليها؟

&

بالطبع لا بد أن يكون هناك هدف آخر يفرض المحافظة على حياة القادة، لتوجيه دفة القتال ضد «الآخر»؟

&

وبالنسبة إلى القادة فمن الواضح أن الهدف هو «السلطة»، أما الذهاب إلى الجنة فأمر يمكن تأجيله.

&

أما الشباب المجندون سواء أكانوا في غالبيتهم مسلمين كما هو الحال في الوقت الحاضر، أم كانوا «هندوك» في «سيرلانكا» وما جاورها، أو كما كانوا مسيحيين و«ملحدين» في ألمانيا وفي روسيا، بل و«يهود» في فلسطين قبل إعلان إنشاء «إسرائيل» عام 1948، فإن الجواب الشامل أتى في «كتيب» لم تتجاوز عدد صفحاته 180 صفحة، تمت كتابته في أربعينات القرن الماضي، ولم يتم نشره بسبب ظروف الحرب الكونية الثانية، إلا في أوائل عام 1951.

&

ومن أهم شروط هذا المؤمن كما جاء في ذلك الكتاب أن يكون إنساناً معذباً يكره نفسه التي آمن أنها فسدت ويتعذر إصلاحها، ويبحث جاهداً عن «العتق» من هذه النفس، ليس لمجرد التخلص من نفسه وإنهاء عذابه، وإنما أيضاً للانتقام من «الآخر» الذي أقنعه من جندوه بأن هذا «الآخر» سبب تعاسته وليس ذاته، كما سيأتي بيانه في مقالة الأسبوع المقبل.
&