علي الخبتي

الإرهاب أصبح المشكلة الكبرى في هذا العصر، وأدى وجوده إلى وضع عالمنا العربي والإسلامي في أسوأ مكانة على مر التاريخ، فقد تضاعف 4 مرات بعد غزو العراق

&


تفتخر المجتمعات السوية بقصص نجاح أوطانها وإنجازاتها التي تحققها على كل المستويات، وقد شهدت المملكة الأسبوع الماضي اجتماعا مهما لمجموعة من الدول المعنية بمحاربة الإرهاب، بعدما استشرى في عالمنا العربي والإسلامي وأدى إلى تشويه الدين الإسلامي وتحريف سماحته إلى التشدد، الذي نرى ممارساته على الأرض من قبل فئات من أبنائه مما أدى إلى استغلال أعداء الإسلام هذه الممارسات وتضخيمها وإبرازها على أنها تمثل الإسلام الذي يقتل ويدمر، وهذا الدين براء من ذلك، فهو دين القيم والمثل والمبادئ المتمثلة في السلام والمحبة والتسامح، والآيات والأحاديث شواهد على ذلك.


وعندما شاع الإرهاب كانت بلادنا أول من تنبه إلى خطره، فقبل عام حذر خادم الحرمين الشريفين من أن الإسلام سيشوه من قبل أبنائه ولا بد من التصدي لهذا التشويه. وكان أن عقد مؤتمر محاربة الإرهاب في المملكة، وأيضاً مركز مواجهة الإرهاب، ومركز حوار الأديان، ثم الائتلاف الأخير لمواجهة الإرهاب الذي احتضنته المملكة وشاركت فيه بعض الدول العظمى اعترافا بمكانة المملكة وبجهودها ودورها الريادي في استقرار المنطقة ومحاربة كل ما يقوض هذا الاستقرار.


الإرهاب أصبح المشكلة الكبرى في هذا العصر، وأدى وجوده إلى وضع عالمنا العربي والإسلامي في أسوأ مكانة على مر التاريخ، ففي تقرير نشره معهد الاقتصاد والسلام IEP تضاعف مؤشر الإرهاب العالمي GTI عاما بعد آخر، بل تضاعف أربع مرات منذ غزو العراق، وأن 31 دولة فقط من 158 دولة لم تتعرض للإرهاب، وأن أميركا الشمالية هي أقل المناطق تعرضاً للإرهاب. وأن مواطني غرب أوروبا هم الأكثر تعرضا للقتل بفارق 19 مرة عن مواطني أميركا الشمالية، ومنذ عام 2002 فقط 6% من القتلى هم إرهابيون، مما يدل على فاعلية واستشراء الإرهاب ومدى تنظيمه. وأبان مؤشر الإرهاب إلى أن أكثر الدول تعرضا للإرهاب هي العراق وبعدها باكستان ثم أفغانستان.
يقع التقرير في 56 صفحة، محتوياتها تتضمن أرقاما وجداول ورسوما بيانية تكشف شروحات واقع الإرهاب ومقارنات بين أماكنه وأزمانه وحوادثه المكررة في 158 دولة خلال العشر سنوات الماضية، من خلال سلسلةٍ من المؤشرات تتضمن عدد الحوادث الإرهابية وعدد الضحايا وعدد المصابين والتلفيات في الممتلكات. كما عمل هذا المؤشر على تحليل عدد آخر من العوامل ووجد التلاحم بين المجموعات وحقوق الإنسان والمظالم الفئوية والفساد والحكم مرتبطة بالإرهاب. ويعد هذا المؤشر أول مؤشر يصنف الدول وفق تأثير الإرهاب عليها، ويحلل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.. وفي التقرير تم ترتيب الدول الأكثر تعرضاً للإرهاب، حيث ما زالت العراق تسجل أعلى نسبة من الأحداث وبذلك تكون الدولة الأكثر معاناة من الإرهاب بدرجة (9.556 من 10). وتتبعه باكستان، ثم أفغانستان فالهند ثم اليمن فالصومال ونيجيريا وتايلند وروسيا والفلبين وتأتي مصر رقم 27 بدرجة (4.6)، وبريطانيا رقم 28 (4.5)، ولبنان 31 (4.5)، وأميركا 41 (3.6)، والمملكة العربية السعودية رقم 48 (2.7)، والأردن رقم 86.. ويشير التقرير إلى أنه بالرغم من انحسار عدد القتلى في العمليات الإرهابية إلا أن حوادث الإرهاب تزداد سنة بعد أخرى منذ أحداث سبتمبر.


وفي العقد الماضي يعد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق في العالم من حيث عدد قتلى الإرهاب. وتأتي بعدها آسيا (الباسيفيك) ومن الغرابة بمكان أن هذا المؤشر لم يجد علاقة بين تدني مستوى الدخل والإرهاب، حيث وجد أن الدول الأقل دخلاً هي الأقل تأثرا بالإرهاب من الدول المتوسطة الدخل. في إشارة واضحة إلى أن الفقر ليس بالضرورة سبباً أساسياً للإرهاب، وبين التقرير إلى أن العامة من الناس والممتلكات هي الأهداف المشتركة في العمليات الإرهابية. وأشار إلى نقطة جوهرية وهي أن الإرهاب العالمي فقط بدأ بالازدياد بعد تصعيد وتيرة الحرب في العراق. ويقول ستيف كيلالا رئيس معهد الاقتصاد والسلام IEP إن هذا المؤشر يهدف إلى تحليل وتعداد ومناقشة ظواهر الإرهاب بشكل منتظم. حيث يقوم التقرير بمراجعة التحولات التي تساعد على تشكيل مناقشات إيجابية وعملية وفاعلة عن مستقبل الإرهاب وعن سياسات مناسبة لمواجهته.


وفي العقد الماضي، ومنذ أحداث سبتمبر ارتفع عدد ضحايا الإرهاب بنسبة 195%. وارتفع عدد الحوادث الإرهابية 460%. وعدد الإصابات بنسبة 224%. وأظهرت نتائج التقرير، بغرابة، أن الـ7 دول التي كانت أشد معاناة من الإرهاب منذ أحداث سبتمبر قد اختصت بـ"ثلاثة أرباع" الضحايا في تلك الفترة مع اختصاص العراق بالنصيب الأوفر من الضحايا. وفي عام 2011 كان عدد الضحايا في المناطق الأشد معاناة من الإرهاب (الشرق الأوسط والهند وباكستان وروسيا) 7473 ضحية (أقل بـ25% من عام 2007).. وفي شمال القارة الأميركية، التى يُرى أنها تشكل هدفاً رئيسياً للإرهاب، يتضح أنها أقل الأماكن معاناة من الإرهاب وتشكل أميركا الدولة الأولى تحسناً مبددة بذلك تأثيرات 11 سبتمبر عليها. أما الدول التي عانت كثيراً من الإرهاب فقد عانت أيضا من التدخل العسكري الأجنبي في إشارة واضحة إلى العراق وأفغانستان. ويقدم التقرير آراء لصانعي السياسات في العالم بالقول إن نتائج هذا التقرير لا بد أن تستخدم لغرضين: الأول تعقب الإرهاب والثاني إيجاد الحلول للقضاء عليه. ويضيف أن المسؤولية للحماية حتمية، لكن لا بد من أخذ خطوات الحيطة والحذر من العواقب غير المرغوب فيها، ويقترح التقرير أيضا على صانعي السياسات في العالم أن يقوموا بتحليل نتائج هذا التقرير للمساعدة في إعادة تعريف الخطوات التي يتم أخذها لمحاربة الإرهاب، لأن الإرهاب يعيد تعريف نفسه ويتشكل ويتبدل بناء على الخطوات التي تتخذ ضده.


خلاصة القول، هذه صورة الإرهاب في العالم، وهي تستحق وقفة جادة وجهدا منظما وقيادة حكيمة، وبلادنا أثبتت قدرتها وحكمتها في التعامل مع المواقف المتأزمة والخروج منها كاسبة جولات تلك المواقف بفضل الله.
&