حاوره في القاهرة: محمد المالحي&

حذر الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي الأسبق بالجماعة الإسلامية بمصر، من وجود ما يسمى حالة "الانبهار الكاذب" قبل الانهيار الكامل من قبل شباب "الإسلاميين" بمصر والعالم العربي بحركة "داعش" بالعراق .
ووصف الدكتور ناجح إبراهيم ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان في مصر، بأنها أجهضت تكرار سيناريو "داعش" في مصر، وانطلاقه آنذاك من سيناء، مؤكداً أن الخطاب العدائي التحريضي، على منصة "رابعة العدوية" كان "كارثياً"، ولا يليق بجماعة وصلت لحكم مصر، كاشفاً أن قيادات الإخوان كانوا على علم مسبق من أجهزة الدولة المصرية، بموعد فض الاعتصام، إلا أنهم رفضوا الفض، ورفضوا الحفاظ على حياة المعتصمين، لرهانهم الخاسر، على عدم قدرة الدولة على فض الاعتصام، وأن رغبتهم في اندلاع حرب أهلية، يعودون بها "إلى الحكم" مرة أخرى، وراء استمرار سيل الدماء، وهو ما يوضح أبعاده في الحوار التالي:

* من تعتقده في قيادات الإخوان الموجودين حالياً بالسجون يملك قرار وقف العنف مع الدولة المصرية؟

- أعتقد أنه خيرت الشاطر، وليس محمد بديع مرشد الجماعة، وهو الذي رفض في السابق التصالح مع الدولة قبل فض اعتصام رابعة، لاعتقاده إمكانية عودة محمد مرسي وإعادة حكم الجماعة، لكنه الآن ربما قرأ المشهد جيداً، والدولة المصرية تعلم أنه صاحب القرار الفعلي في الجماعة، وعدم صدور أحكام بالإعدام ضده حتى الآن دلالة على ذلك من وجهة نظري، ويقيني أن سعد الكتاتني، هو أول من ستبدأ الدولة بطرح الوساطة معه، إذا أرادت ذلك مع الإخوان، لأنه الأكثر تعقلاً وحكمة من الكثيرين من أعضائها، يليه حلمي الجزار المفرج عنه مؤخراً .

* الملاحظ أن الخطاب التحريضي في رابعة لا يزال يحكم جماعة الإخوان وبعض الإسلاميين حتى الآن مع الدولة والشعب المصري . . فهل يليق هذا الخطاب بحركات تنسب نفسها إلى الإسلام؟

- من أكبر مآسي اعتصام رابعة العدوية هو خطاب المنصة، الذي كان لا يليق بجماعة إسلامية وصلت لحكم بلد في حجم مصر، كان الخطاب أكثره عدائياً إقصائياً تكفيرياً حربياً، ويمثل الجزء الأكبر من "مأساة رابعة" في تقديري، خلاف فض الاعتصام الذي لم يكن صحيحاً، ولا متدرجاً من قبل الأمن، ومن خلال حياتي السابقة في الجماعة الإسلامية، تعلمت أنك إذا أطلقت خطاب السلام تجني السلام، وإذا أطلقت خطاب الحرب تجني الحرب .
وأزمة خطاب "رابعة" أيضاً أنه خلطة بين ما هو بشري و"غيبي" لا يعلمه إلا الله، والربط بين ما هو عقائدي متفق عليه، وما هو سياسي مختلف عليه، مثل قول أحد قيادات الإسلاميين، إن جبريل- عليه السلام- طلب منه إمامة الرئيس المعزول محمد مرسي المصلين في الاعتصام، وأن "الملائكة" موجودة بالاعتصام، وأن من يترك الاعتصام كمن يفر يوم الزحف الأعظم، وللأسف الخطاب أضر بالحركة الإسلامية في مصر عموماً، في فكرها وعقيدتها، حتى المعتدلين منها، لذلك كان من أهم شروط الدولة المصرية قبل فض الاعتصام وقتها تخفيف حدة الخطاب على المنصة .

* لماذا يتناغم بعض القوى الإسلامية مع الإخوان إلى اليوم في تحويل "رابعة" إلى كربلاء جديدة وحائط مبكى؟

- آفة الحركة الإسلامية في مصر أنها لا تبدأ من حيث انتهى الآخرون، فتقوم بتكرار نفس التجارب الفاشلة، وتلدغ من نفس الجحر 100 مرة ولا تتعلم، لأنها لا تقرأ التاريخ الإسلامي أساساً، ولا أدري كيف تصر على أن تحيي ذكرى فض رابعة بمزيد من القتلى والجرحى والمعتقلين، وهذا التفكير والمنهج بعيد كل البعد عن فقه المصالح والمفاسد بحسب القاعدة الفقهية، بأن جلب المنفعة مقدم على درء المفسدة .

* لكن الدولة أخبرت قيادات الإخوان بموعد فض رابعة في محاولة من جانبها لتفادي إزهاق الأرواح لكنهم لم يهتموا؟

- نعم هذا صحيح، وبحسب معلوماتي المؤكدة من وسطاء من الدولة- أتحفظ على ذكر أسمائهم- أنه قبل فض اعتصام رابعة العدوية بيوم واحد، تم لقاء بين هؤلاء الوسطاء (بينهم القيادي الإخواني الأسبق كمال الهلباوي والقيادي الإسلامي مجدي قرقر) في نادي المقاولون العرب، ونحو 40 شخصاً من "الإخوان الإسلاميين"، واستمر اللقاء نحو 4 ساعات، وأخبرهم الوسطاء عزم الدولة على فض الاعتصام صباح اليوم التالي، وطلبوا منهم نصح المعتصمين بفض الاعتصام ومغادرة الميدان للحفاظ على أرواحهم، لكن ضرب الإخوان بكلام الوسطاء عرض الحائط، وأعلنوا خلال اللقاء أن الدولة أضعف من فض الاعتصام، وراهنوا على أن الفض سيؤدي لاندلاع حرب أهلية، يعود بها مرسي والجماعة للحكم .

وقبلها كانت مبادرة أخرى من الداعية الشهير محمد حسان، ورفضها الإخوان أيضاً، كما سبقت ذلك مفاوضات أخرى طويلة، طلبت الدولة فيها تقليل حدة المنصة التحريضية التكفيرية، وعدم توسيع رقعة الاعتصام وعدم قطع الطريق وخروج المعتصمين في مسيرات بالشوارع، وهو ما كان يتكرر يومياً من قبلهم . وأعتقد أن لجوء الدولة لفض الاعتصام جاء استباقاً لقيام الإخوان بمحاولة احتلال مبان تابعة لهيئات حكومية، وللعلم أحد قيادات الاعتصام أخبر أحد وسطاء الدولة عقب اجتماع نادي المقاولين، بأنهم لا يجرؤون على مطالبة المعتصمين بفض الاعتصام الآن لقيامهم بشحن المعتصمين معنوياً ودينياً بشكل غير مسبوق .

* لماذا لا يخرج قيادات الإخوان الآن ويعتذرون لأنصارهم عن خطئهم في عدم تقدير خسائر فض رابعة؟

- خطأ الإخوان دائماً يحدث في الحركة الإسلامية في مصر، وهو التقديرات الخاطئة للموقف، المبنية على تقدير واحد فقط، وكل قادة تحالف دعم الشرعية الموجودين في اعتصام رابعة وقتها، كان تقديرهم أن الدولة المصرية عاجزة عن فض الاعتصام، وأنها "أجبن" من ذلك، إضافة لرغبتهم في إسالة الدماء، حتى تندلع ثورة جديدة ويعود حكم الإخوان، علماً بأن أغلب الذين سالت دماؤهم وقتلوا في فض رابعة، ليسوا من الإخوان، لكنهم من شباب السلفيين والجماعات الإسلامية وحركة حازمون، وبحسب معلوماتي، أن نحو 60 قتيلاً من قتلى الفض من الجماعات الإسلامية، رغم عدم إعلانها عن ذلك .
لم يقتل قائد إخواني واحد من قيادات الجماعة، وقبض عليهم عقب هروبهم مختبئين، وان القتلى والمصابين، من عوام الناس وبسطائهم، الذين لا يعرفون مكر وكيد السياسة وألاعيبها، لأن ميعاد الفض كان معلوماً لقادة الاعتصام .

* هل تعتقد أنه يوجد عقلاء من "الإخوان" يقومون بإعلان تلك المبادرة والخطوات التي ذكرتها؟

- أعتقد أن الدكتور أحمد كمال أبو المجد من الممكن أن يقوم بتلك الوساطة بين الدولة والإخوان، وهو لديه صلة وثيقة بهم، وهو رجل حكيم، ولديه رغبة حقيقية في وقف هذا الصراع بين الجانبين، وتقديري أن إدارة "أمن الدولة" في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لملف الإخوان والإسلاميين عموماً كانت أفضل من إحالة هذا الملف برمته للقضاء، مثلما يحدث حالياً، فالقاضي يحكم بما لديه من أوراق فقط، وفي السابق في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أدى إعدام سيد قطب- الذي كانت كلماته بداية الفكر التكفيري للجماعة وحلفائها- إلى منحه ومنح كلماته قداسة، رغم أن القاعدة الفقهية أن قول الصحابي ليس حجة أو مقدساً فما بالنا بالبشر، وربما لو لم يكن أعدم لكان راجع نفسه وأفكاره، وأخشى أن يتكرر هذا مع مرشد الجماعة الحالي محمد بديع، الذي يواجه عدة أحكام بالإعدام .
&

أخطاء الإسلاميين

* في رأيك ما أخطاء الإسلاميين عموماً في ثورتي 25 يناير و30 يونيو؟


- ربما كان الخطأ الكارثي للإخوان هو قيادة الدولة بعقلية الجماعة، وقيادة الدولة بعقلية الدعوة، وخلط مرسي بين ما هو خاص برئاسة مصر، وما هو خاص بجماعته، وهو لم يتحرك إلا بإذن مكتب إرشاد الجماعة، إضافة لرغبة الإخوان في ابتلاع مصر،


* سيناريو "داعش" في العراق هل من الممكن أن يتكرر في مصر . . وهل لداعش وجود فعلي في سيناء برأيك؟


- علينا طرح عدة نقاط بالنسبة لحركة "داعش"، أهمها أنها الابن الشرعي والوريث الأكبر لتنظيم القاعدة، ومساحة التكفير لديها أكبر من "القاعدة" وجبهة النصرة، وسبب قوتها هو حكم نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيث حكم لفترتين حكماً طائفياً مقيتاً وبغيضاً .


والقضية الآن أن شباب الإسلاميين يمرون حالياً بحالة الانبهار الكاذب ب"داعش"، قبل مرحلة الانهيار الكامل، مثلما حدث في السابق مع تنظيم القاعدة عقب أحداث 11 سبتمبر، التي جعلت العالم الإسلامي والعربي للأسف في حالة حرب وعداء مع الأمريكان، وأدت إلى احتلال أمريكا العراق .


وفعليا لا وجود ل"داعش" في سيناء، لكن عقب سقوطها ستخرج من عباءتها مجموعات في مصر، والعديد من العالم العربي، دون أن يكون لهم فعلياً علاقة بها .


* إذا لم تقم ثورة 30 يونيو التي أطاحت بتنظيم الإخوان . . هل كان من الممكن أن تتواجد "داعش" فعلياً في سيناء؟


- هذا صحيح فقبل ثورة 30 يونيو والإطاحة بالإخوان، كان يوجد في سيناء 3 معسكرات للتكفيريين، وهي معلومات صحيحة ومؤكدة لي بحكم صلتي السابقة بهم، وهذا معلوم أيضاً للكافة، بينهم الأجهزة الأمنية في مصر، وكانت لهم صلات مباشرة ببعض قيادات الإخوان، والأمن لم يكن يستطيع الذهاب إلى تلك المعسكرات لمواجهتهم، وكلها بدأت وتكونت عقب ثورة 25 يناير، بسبب انهيار منظومة الأمن في مصر، وللعلم هذه التنظيمات التكفيرية التي تحكم الآن بعض الدول العربية، سببها الرئيسي غياب هيبة الدولة، والمنظومة الأمنية، ولن يعود الوطن العربي لفاعليته، إلا بعد أن تعود لهذه الدول هيبتها، بالقضاء على تلك التنظيمات المسلحة .

&