سركيس نعوم

يبدو أن النظام السوري الذي حوّل هدفه من حسم المعركة مع الثائرين عليه إلى الصمود في وجههم بعد نحو ثلاث سنوات ونصف سنة من القتال، أنه سيبقى في مرحلة الصمود وخصوصاً بعد نجاح تنظيم "داعش" في "تشليحه" مناطق مهمة، وبعد تطورات العراق وأبرزها السيطرة على غالبية "المنطقة السنّية" التي كان يشكو أهلها من تهميش النظام لها ومعاملة أبنائها بالشدّة. ويبدو، في الوقت نفسه، إن التطورات المذكورة أصابت في الصميم الحليف الأول والأقوى للنظام أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية واربكته وجعلته يقتنع ضمناً أنه صار في موقع الدفاع بعد سنوات من احتلال موقع الهجوم. وهي ربما تدفعه، ولكن بعد إجرائه حسابات دقيقة، إلى تبنّي مرجعياته ومؤسساته انفتاح رئيس جمهوريته الشيخ حسن روحاني. وذلك كله بهدف حماية النظام الإسلامي ومصالح الدولة الإيرانية ومواجهة الإرهاب التكفيري. طبعاً قد يتمنى البعض من "أبناء" إيران أو حلفائهم أن تختار قيادتها المواجهة الشاملة مع الإرهابيين ومع دول المنطقة المعادية لها، ومع الشيطان الأكبر الولايات المتحدة، اعتقاداً منهم أنها قادرة بقوتها وبقوة حليفها النظام السوري و"حزب الله" اللبناني وروسيا والصين ودول "البريكس" على الانتصار. لكن الذين يعرفون الإيرانيين كشعب وخصوصاً إسلامييهم الحاكمين منذ عقود، يعرفون أنهم ليسوا انتحاريين ويلجأون إلى البراغماتية حفاظاً على أنفسهم ونظامهم ومصالح بلادهم. فالنظام السوري، الذي استعمل بكفاءة عالية المساعدات العسكرية والمالية و"الخبراتية" الإيرانية، لم يتمكن بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من القضاء على الثورة رغم نجاحه في شرذمة الثوار، وفي تسهيل انتشار الإسلاميين المتشددين التكفيريين في صفوفهم من جراء "استعماله المفرط للعنف"، كما تقول اللغة الديبلوماسية. ولا يبدو أنه سينجح في استعادة كل الجغرافيا وفي إعادة نظام انتهى من زمان، وإعادة بناء دولة انهارت من زمان أيضاً إلا أن "شكلها" بقي لأن المجتمع الدولي لم ينزع عنها الشرعية رسمياً. أما روسيا فمساعداتها لنظام الأسد لا يمكن إنكارها سواء بإمداده بالسلاح أو في مجلس الامن. إلا أن اوضاعها الاقتصادية الصعبة وتورطها في أوكرانيا وواقعيتها تمنعها من التورط. أما الصين ودول "البريكس" فمساعداتها له متواضعة قياساً إلى مساعدات موسكو وطهران.


هل يقبل النظام السوري "الحقيقة" المفصّلة أعلاه ويتصرف بموجبها، أي يفتح الباب أمام حل سياسي جدي انطلاقاً من "بيان جنيف 1" يدفن النظام المنهار ويؤسس لنظام جديد يحترم حقوق كل السوريين على تنوعهم؟
قد يكون هذا الأمر مستبعداً، على الأقل في هذه المرحلة. فمن جهة، لم يُصَب "النظام" بخسائر عسكرية قاتلة رغم ضعف بريق "نجاحاته" في السنة الأخيرة. ومن جهة ثانية، لا تزال في يديه أوراق يستطيع استعمالها تطيل الصراع، لكن قد توصله ولبنان إلى مصير محتوم هو تعميم الحرب الأهلية المذهبية وجعل التقسيم الواقعي أمراً حتمياً فيهما. ومن جهة ثالثة، لا تزال إيران تساعده ليس اقتناعاً منها بأن بقاءه أو انتصاره ممكن، بل لأنها تمارس سياسة "التفاوض على الحامي" مع أميركا وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية. ولعل الورقة الأبرز في يد النظام السوري اليوم هي لبنان. فهو يُلحّ عبر حلفائه في لبنان وبعد التهويل عليهم بخطر "داعش" والتكفيريين، علماً أنه خطر حقيقي، وعلى كل المذاهب والأديان فيه، على ضرورة تعاون لبنان الجيش ولبنان "حزب الله" وسوريا الأسد في مواجهة الإرهابيين في القلمون وفي البقاع وفي الشمال وفي كل لبنان. لكن التجاوب معه ليس سهلاً فضلاً عن أنه يحقق عكس المطلوب منه. فلبنان منقسم وحكومته "الواحدة" منقسمة عملياً، ولا تستطيع إتخاذ قرار بهذا الحجم. والانقسام في الداخل هو سنّي – شيعي، وفي المنطقة هو سعودي - تركي - إماراتي - قطري - اميركي - إيراني (استطراداً روسي). ولن يسهّل ذلك عملاً مشتركاً ينقذ ربما الأسد ونظامه، ولا يضمن إنقاذ الشعب السوري الثائر منهما، ولا نصف الشعب اللبناني الذي لم ينسَ معاناته بسببهما. طبعاً هذا لا يعني أن لبنان لا يواجه مشكلة. اذ ماذا يمنع، في حال تعرّض الجيش لهجوم في عرسال أو في البقاع والشمال، قيام سوريا و"حزب الله" بمساعدته أو بالتدخل؟ هل يرفض ذلك؟ هذا احتمال يجب عدم تجاهله.