محمد اليامي

في جامع عبدالله بن مسعود الذي أسكن بجواره في الرياض حلقة نظامية لتحفيظ القرآن، والحقيقة أن تسمية حلقة صغيرة عليها، إنها مدرسة صغيرة منظمة أصبحت جزءاً من ثقافة الحي وأهله، يشرف عليها إمام وخطيب الجامع، وهو أستاذ جامعي، ومثقف نستشف ثقافته من خطبه العميقة المتوازنة، ومن خلال إدارته لنشاط التحفيظ الذي يديره بحسب ما أرى من مبدأ تعليم القرآن، واستشفاف روح وسلوكيات جميلة منه، إذ يحرص على إضفاء نوع من التطوير على أساليب التعليم، وأسلوب التخريج الذي نشهده سنوياً، وخلق منافسة جميلة بين الصغار في إطار تربوي جعل الحلقة تستقطب كل عام في حفلة تخرجها نخباً تربوية مميزة، كما أنه يدير الأمر اتصالياً وإعلامياً مع الصغار وذويهم وجماعة المسجد، بشكل يبعث على الطمأنينة والفخر. استحضر هذه الصورة لا لأشيد بمن يشيد به عمله، لكن لأقارن بالحلقات غير النظامية، ولأتحدث بصراحة أروم منها مساعدة الأطفال، وبخاصة البرماويين منهم على أحوالهم في هذه الحلقات.

&

لعلكم لاحظتم أن مقطعي الفيديو اللذين اشتهر أحدهما لقسوته، وهو لمعلم برماوي يضرب طفلاً، والثاني تزامن معه لمعلم يظهر أنه برماوي يضرب 13 طفلاً على التوالي بطريقة قاسية جداً، ويبدو أيضاً أنهم من البرماوية.

&

ما هي قصة ما يسمى «المدارس الخيرية البرماوية»؟ وما هي القصص في الحلقات غير المرخصة التي خلفها؟

&

قراءاتي أن كثيراً من البرماويين يتكسبون بالقرآن، ولا أعلم الحكم الشرعي عن التكسب به، لكن ما يعنيني أنهم يجبرون أطفالهم إجباراً على «حفظ» القرآن ليكونوا أئمة مساعدين، أو أئمة يغطون على أئمة غير ملتزمين، وليكسبوا مكانة «أفضل» في المجتمع المكي ومجتمعات المدن القريبة من مكة حيث يعملون.

&

نحن لسنا فقط أمام حال عنف ضد الأطفال، نحن أمام منظومة عمل غير إنساني تجاه الطفولة، فعلى رغم قداسة القرآن الكريم إلا أن غالب هؤلاء الأطفال يتعلمونه بالقوة والإكراه كما رأينا، فلا يتجاوز تأثيره ألسنتهم، ويتعاملون معه كسلعة، وهنا نحن نؤسس لشباب قاسي القلب، يعرف من أين يؤكل المجتمع، من مظهر الحافظ الذي يتقدم المصلين، وهذا النوع خطر ليس فقط على المجتمع، إنه خطر على الدين نفسه.

&

كلنا نتمنى حفظ القرآن وتجويده والتعبد بتلاوته، وما من إنسان إلا ويتمنى أن يكون طفله حافظاً لكتاب الله، ولكن بترغيبه لا بترهيبه، وبتدبره لا بإدخاله وإخراجه كآلة التسجيل.

&

أعتقد أن الملف أكبر من مجرد حلقات غير نظامية للتحفيظ، إنه يتعلق بعشرات الآلاف من الأطفال، ليس هناك فرق كبير بينهم وبين من يجبرون أولادهم على تعلم التسول، إنه ملف ذو أبعاد أعمق من تعنيف لحظي لطفل كلنا لا نرتضيه، لكن كلنا يجب أن نتأمل قليلاً في الأبعاد المستقبلية.
&