&سمير عطا الله

كان وزير خارجية مصر يوم اندلاع حرب 6 أكتوبر (تشرين الأول) التي اغتيل أنور السادات على منصتها عام 1981، الدكتور محمد حسن الزيات. وكان الرجل أديباً (وصهر طه حسين) وليس له الكثير في برودة السياسة. تحرك فرحاً بجسمه الضخم وصوته الأبح مع أخبار الانتصار، وكاد ينفجر بالبكاء في مجلس الأمن عندما بدأت تصل أخبار الدفرسوار والمأزق المصري.


قبل نهاية ذلك الشهر اتخذ السادات قراراً بعزله وهو بعد في نيويورك، وعيَّن خلفا له الدكتور إسماعيل فهمي. خلال النقاش والجدل والضوضاء، ولد قرار جديد يحمل الرقم 338، نص آخر لن يطبَّق. لكن الأمم المتحدة تحولت إلى منبر مهم للسياسة العربية والقضية الفلسطينية. عندما صوتت الجمعية العمومية على قرار التقسيم عام 1947 كان رئيس الوفد اللبناني كميل شيمعون (رئيس الجمهورية بعد 5 سنوات). ولما أعلنت نتائج التصويت، سقط وراء المقعد مصاباً بذبحة قلبية، وأطلق عليه يومها لقب «فتى العروبة» الأغرّ. وكان لبنان قد شارك قبل ذلك بوضع ميثاق هيئة الأمم من خلال مندوبه شارل مالك. وطالما أعطى، كدولة صغيرة ومعنية، أهمية لبعثته لدى المنظمة الدولية. وها هو مرة أخرى، بعد 1973، يرسل إلى هيئة الأمم اثنين من ألمع وجوهه: كلوفيس مقصود، سفيراً للجامعة العربية، وغسان تويني، سفيراً للجمهورية.
لم تُعطَ دول كثيرة الأهمية الكافية للمنظمة الدولية، لكن مصر والمغرب ولبنان والكويت، رأت فيها أهمية خاصة. ثلاثة من أمناء الجامعة العربية كانوا مندوبي مصر لدى المنظمة: عصمت عبد المجيد وعمرو موسى ونبيل العربي. ربطتني بالثلاثة معرفة ومودة. لكن مثل شعبان عبد الرحيم، لي ضعف حيال عمرو موسى.


المغرب أرسل أحمد السنوسي، وكان شخصية جذابة الحضور، وأحمد بن هيما، وكان خطيباً مثل ملكه الحسن الثاني. والأمم المتحدة في خلاصتها منبر، يذكر غالباً بمن كانوا سادته، أمثال الرئيس عبد العزيز بو تفليقة خلال الدورات التي حضرها وزيرا للخارجية. كنت تعرف نوعية الخطباء من حجم الحضور. وكان البعض خطيباً بارعاً بالإنجليزية مثل عبد الله بشارة، الذي يوم تقررت عودته إلى الكويت، وقف مندوب إسرائيل بنيامين نتنياهو يقول عن الخصم المقارع: سوف نفتقد لغته الشكسبيرية. والخطيب الآخر بالإنجليزية كان طارق عزيز، مدرِّس هذه اللغة سابقاً. أما المفوَّه بها بلا حدود فكان كلوفيس مقصود، الذي تعمَّق فيها يوم كان سفيراً للجامعة في الهند أيام نهرو. يلفظ الهنود الإنجليزية بطريقة مثيرة للشفقة، لكنهم يكتبونها بقدرة يغبطهم عليها أهل أكسفورد.
في هذا المنتدى الأممي لم يكن دائماً مهماً من تمثل بقدر ما تعرف كيف تُحسن حضورك. أحد أرقى ذوي الحضور كان الشريف عبد الحميد شرف، الذي كان سحره في المنظمة خاطفاً وأثيراً.
إلى اللقاء..