أحمد عبد الملك
&
انفضَّ سامرُ الاجتماع الوزاري الذي عُقد في جدة يوم الخميس 11/9/2014 لبحث موضوع الإرهاب وطرق مكافحته في المنطقة. وضم الاجتماع الوزاري وزراء خارجية كل من: الولايات المتحدة، دول مجلس التعاون، مصر، العراق، تركيا، الأردن، ولبنان. وأكد الاجتماع التزام الدول المشاركة بالعمل معاً على محاربة «داعش». وأكدت الدول العشر والولايات المتحدة أنها «تتشارك الالتزام بالوقوف متحدة ضد الخطر الذي يمثله الإرهاب على المنطقة والعالم، بما في ذلك ما يُعرف بـ(داعش)». رغم أن تركيا شاركت في الاجتماع، لكنها لم تقر بما جاء في البيان.
&
ويُستنتج من قراءة البيان أن الدول التي أصدرته قد صممت على شن حرب شاملة – وبآليات محددة – ضد «داعش» ومواجهة طرق تمويله، ومكافحة أيديولوجيته – التي تنم عن الكراهية – ووقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الدول المجاورة، وضرورة إيصال الإرهابيين – الذين يقومون بعمليات لا إنسانية في العراق وسوريا – إلى القضاء.
&
اللافت للنظر أن روسيا ظلت في الدائرة الأخرى، مطالبة بضرورة وجود غطاء دولي – من مجلس الأمن – لأي تحرك عسكري ضد «داعش» على الأراضي السورية، ولكأن الإرهاب المُمارس في العراق له «ماركة» أخرى غير التي هي في سوريا؟! وهذا ما حدا بوزير الخارجية الأميركي (جون كيري) السخرية من هذا الموقف مُذّكراً بموقف روسيا مما جري في شرق أوكرانيا والقرم. معلوم أن روسيا تقف مع النظام السوري، وتعارض بشدة أي استخدام للقوة من الأطراف الدولية لزعزعة هذا النظام. ولقد تشكل تحالف مضاد للتحالف الغربي، بعد صدور تشكك روسي صيني إيراني تجاه خطة أوباما لمواجهة «داعش»، حيث صرح المتحدث باسم «الخارجية» الروسية (ألكسندر لوكاشفيتش) بأنه «من الضرورة محاربة هذا الشر، مع الالتزام الشديد بممارسات القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بشكل عام». كما قالت وزارة الخارجية الصينية: «وفي الوقت نفسه، نرى أنه وفي ظل المحاربة الدولية للإرهاب، يجب احترام القانون الدولي وسيادة واستقلال وسلامة أراضي الدول المعنية أيضاً». أما المتحدثة باسم «الخارجية» الإيرانية، فقد شككت في صدقية التحالف الدولي ضد الإرهاب، وقالت: بعض الدول – لم تسمها – تقوم بتقديم الدعم المالي لهذا التنظيم في العراق وسوريا، في حين يرغب آخرون في إحداث تغيرات سياسية في العراق وسوريا لخدمة مصالحهم الخاصة»؟!
&
والملاحظ أن تصريحات كيري بعد اجتماع جدة قد تناولت الإعلام، حيث طلب من السعودية ودول خليجية أخرى استخدام منافذ إعلامية لنشر رسائل مناهضة للتطرف، وضرورة الوصول إلى رجال الدين في الأحياء والمساجد لفضح أعمال «داعش»!
&
نحن نعتقد أن هناك إشكالية ستواجه هذا التحالف، وهذا يُذّكرنا بالمشهد العراقي عام 2003، حيث انشق العالم بين مؤيد ومعارض للإطاحة بالنظام العراقي، بما في ذلك بعض الدول العربية! وما يزيد الإشكالية أن تنظيم «داعش» سنيّ المذهب! وهذا بحد ذاته سيثير ردة فعل في الأوساط السُنية، ليس في العراق أو سوريا، بل في العالم الإسلامي ككل، خصوصاً بعد تداول مقولة إن التنظيم كان صناعة أجنبية وغير عربية! ويُقصد بذلك الغرب وإيران.
&
ولئن تم شن حرب على مواقع وجود عناصر التنظيم، فسيتأثر سكان هذه المواقع من المدنيين، وربما يسقط عدد كبير من الضحايا جراء الصواريخ والقنابل. وهذا سيثير ردة فعل عنيفة في الأوساط السُنية في البلاد الإسلامية، مهما كان الموقف من الإرهاب.
&
ومن ناحية أخرى، فإن «استغلال» الموقف – أي شن حرب على التنظيم – وزعزعة النظام السوري، وسط الفوضى التي يمكن أن تحدثها العمليات العسكرية الجامحة، فإن العالم سيُدين هذا التدخل العسكري على سوريا، ولسوف يتدخل مجلس الأمن – بناءً على طلب بعض الدول دائمة العضوية فيه – لمواجهة هذا التدخل، ولا ضمان أن تُحل الأمور بين ليلة وضحاها، ولنا أن نستحضر مكونات المشهد العراقي ومفاجآته منذ عام 2003 وحتى هذا اليوم.
&
كما أن الجيش السوري النظامي سيكون عرضة للاستهداف، كونه ينتشر على أراضٍ سورية شاسعة ويتواجه مع عناصر التنظيم، وهذا سوف «يُعقّد» المسألة أكثر.
&
إن دعوة كيري لاستخدام الإعلام أيضاً سوف يثير الرأي العام، خصوصاً إذا تحدثنا عن «المصداقية.. والرأي الآخر». إذ لا يجوز لأي وسيلة إعلامية ناجحة ومؤثرة أن تلجأ إلى أسلوب «الدعاية» وتتجاهل القيم الإعلامية المعروفة. كما أن هنالك وسائل إعلام أخرى قد تستغل «خلو» المشهد من أخبار وتغطيات عمليات التنظيم، وتقوم هي الأخرى بالنشر أو البث، ما يجهض جهود محاصرة التنظيم إعلامياً!
&
لم يخل اجتماع جدة من إحراجات في مواقف الدول المشاركة! حيث أشار وزير الخارجية المصري سامح شكري – خلال كلمته – إلى الموقف الأميركي تجاه مصر، فيما يتعلق بإرسال طائرات الأباتشي لمحاربة الإرهاب في سيناء! وقال: «ليس من المنطق في شيء أن نحشد مواردنا لهزيمة (داعش)، بينما تُحجب هذه الموارد عن مصر؛ وهي تخوض معركة ضد العدو المشترك ذاته على أراضيها».
&
وفي موقع آخر، تعهد الرئيس الأميركي بتعزيز قوة الجيش العراقي، وبرفع المساعدات العسكرية للمعارضة السورية المعتدلة في وجه «داعش». ويرى محللون أن المعارضة السورية لا تصدق - تماماً - الوعود الأميركية، وترفض الانضمام إلى التحالف ضد «داعش»، ما لم يعلن الأميركيون صراحة أنهم سيعملون على إسقاط الأسد!. ونقلت «العرب» اللندنية عن العقيد رياض الأسعد مؤسس «الجيش الحر» وقائده قوله «إن جيشه لن يتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في حربها المزمعة ضد (داعش)». وحصرَ التعاون معها بإسقاط نظام بشار الأسد. (العرب اللندنية - 12/9/2014).
&
من جانبها، أعلنت دمشق أن أي عمل على أراضيها من دون موافقتها أو تنسيق معها سيُعتبر اعتداءً!
&
الموقف الإيراني المؤيد لنظام الأسد في سوريا يعارض أي تدخل غربي في الأحداث بالمنطقة، وقد أشار رئيس السلطة القضائية (صادق أملي لاريجاني) إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابي هو صنيعة الدول الاستكبارية، ووصف الضربات الأميركية - في العراق ضد التنظيم - بأنها مُريبة! وانتقد تردد الولايات المتحدة في القضاء على التنظيم منذ بداية ظهوره. هذا هو المشهد إذن اليوم، ولا نعلم ماذا سيكون عليه في الغد. ولكننا مع وقف جميع أشكال العنف والإرهاب في العالم، ومع دعم الدول التي تسعى لجعل هذا الكون مكاناً أرحب لعيش جميع البشر، ولكن «الشياطين» أيضاً لهم موقف في هذا الكون.