محمد نمر: يصرّ الديبلوماسي السوري السابق جهاد مقدسي على وسطيته كمستقل بين فريقي "المعارضة والموالاة" بعد أكثر من سنة ونصف السنة على انفصاله عن وظيفة "الناطق باسم النظام السوري" ومغادرة وطنه.
&
خضع ترك مقدسي منصبه كناطق باسم وزارة الخارجية السورية لكثير من التأويلات في حينه، منها انه نُحَيَ بعد خروجه عن خط السياسة الخارجية المرسوم.
&
كان مقدسي الذي درس في جامعات الغرب وجهاً يتمتع بعلاقات قوية مع الصحافة الدولية، وعرف بتفاعله مع المتتبعين على "تويتر". لقد كان في رأي كثيرين نموذجاً غير مألوف لمسؤولي النظام السوري.
&
إن سألت اليوم الرجل عن سبب تركه كرسي تابع للنظام، ستجده يتمسك بنظرية ملاحظته ان لا فائدة لوجوده في تلك الوظيفة، فأخذ خيار السفر إلى الامارات، ومن هناك قدم استقالته "بكل مهنية"، انتظر الاجابة وحصل على "قبول استقالة".
&
"انشقاق" نحو الاستقلالية
&
فهل كان الامر بمثابة انشقاق؟ يجيب مقدسي على سؤال "النهار" قائلاً: "لم اغادر منصبي لأغيّر انظمة بل لأكون حراً في تموضعي السياسي و لأعبر عن رأيي باستقلالية، فأنا لست بطلاً، وكلمة "انشقاق" تقال للعسكر عموماً ولمن قفز من مكان إلى آخر. بل اعتبر أني في الوسط، ولا أنفع سوى جسراً بين الطرفين لأن قناعاتي هي (أنا وانت) وليس (إما انا أو أنت)"، ويضيف:" نعم الاستقالة هي بحد ذاتها موقف صريح لا أنكره، لكن تلاها الرغبة بالبناء و ليس الثأر واصبحت ببساطة بين الناس ولن اكون سوى خادماً للدولة السورية بمعناها المتكامل".
&
فئة من الشعب السوري اعتبرت ان تعيين مقدسي كناطق باسم "الخارجية" خطوة اصلاحية من النظام السوري، ويقول: "لم يأت تعييني من وزير بل من الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً، خصوصاً انه معروف انه كان هناك "فيتو" على تعيين ناطق للخارجية، لأن هناك رؤى مختلفة حول الإدارة في سوريا، و"الخارجية" تؤمن بسياسة الغموض وقلة الكلام، فيما الرئيس الأسد لاحظ أن الأزمة تحتاج إلى انسان يشرح موقف الدولة وكان ما أراد".
انقطع الاتصال مع النظام منذ مغادرة مقدسي سوريا، وهو اليوم لا يعتبر نفسه حيادياً بل مستقل أو وسطي، "لأن لديّ رأيي في ما يجري، فاذا قلنا اني اريد التغيير في سوريا وهذه مهمة المعارضة، فانا معارضة وإذا قلنا عدم التخلي عن مكانة سوريا وسيادتها ورفض التدخل العسكري هو أمر تنشده الموالاة فانا موال".
&
"داعش" خطر عابر للحدود
&
يتابع مقدسي من الامارات التطورات في الشرق الأوسط، فهو يملك اليوم مكتب استشارات إعلامية و له نشاطات اكاديمية في مجال التدريب الجامعي، ويعتبر أن تنظيم "الدولة الاسلامية" خطراً اقليمياً عابراً للدول، فهو استطاع ان يزيل الحدود بين سوريا والعراق ويؤسس دولة خلافة بطريقة الجهاد الخاطىء والملتوي، وهو ليس عبارة عن أشخاص فحسب بل ايديولوجية منتشرة في العالم". لهذا في رأيه "تستطيع اميركا توجيه ضربة عسكرية مؤلمة لداعش لكن القضاء على الايديولوجية يحتاج إلى جهد جماعي كبير".
&
يعود وجود "داعش" إلى أسباب عدة، اهمها "غزو العراق ونشر الفوضى في المنطقة وصرف النظر عن التسلل الجهادي إلى العراق بسبب وجود مصلحة لدى المسلحين باسقاط المشروع الاميركي بالعراق "، بحسب ما يرى مقدسي، مذكراً بان "هناك ايضاً ايديولوجية تكفيرية لا تستند على دعم دول فحسب، بل على نصوص مغلوطة تقرأ خارج سياقها التاريخي".
&
في رأي مقدسي، "استفادت اطراف عدة من "داعش"، ومن الطبيعي ان يكون التنظيم مخترقاً استخباراتياً من النظام السوري وأميركا وبريطانيا وكل اللاعبين من دون استثناء، لكن هذا لا يعني أنها صنعت التنظيم"، ويشير إلى أن "النظام اليوم يخوض معركة وجود ما يعني أن كل الاسلحة مشروعة برأيه ومن بينها اختراق داعش والمعارضة، فهو استفاد من التنظيم لشيطنة الحراك السوري ولكي يبتلع التنظيم باقي الفصائل، فيما استفادت المعارضة منه على انه فصيل قوي ومنفذ عمليات انتحارية يكسر شوكة النظام، واليوم بات الطرفان يريدان التخلص منه بعد خروجه عن السيطرة".
&
التعاون مع النظام اقوى
&
"من الطبيعي في حال تعاونت اميركا مع النظام أن تكون الضربة لداعش اقوى، ليس بسبب حاجة الاميركي إلى العتاد السوري بل لانه يحتاج إلى تحرك لوجستي كاستخدام مطارات او استخبارات او تأمين مناطق واجواء صديقة، والسبب الوحيد المعيق لهذا التعاون هو السياسة، إذ لا يمكن لهذا التعاون أن يقوم بعد كل هذه المواجهة الدامية، فضلاً عن أن التعاون سيؤثر على باقي الحلفاء في التحالف، خصوصاً العربية التي سترى امكانية مراجعة المواقف الاميركية بعد انتهاء الحرب على داعش، اضافة إلى الموقف الايراني إذ ان اي تعاون مع النظام يعني تعاوناً مع ايران وهذا صعب اليوم"،يقول مقدسي.
ألا يمكن للمعارضة ان تحلّ مكان النظام لوجستياً؟ يجيب:"يحتاج الاميركي خلال تواجده في اجواء سوريا ان يشعر بالأمان وبأنه يقوم بمهمة ضد عدو واحد والا يفكر في موضوع المضادات الدفاعية الارضية، لكن رغم ذلك سيضرب الاميركي "داعش" من دون التنسيق مع الحكومة السورية كما أقرأ، وموقفه واضح حيال هذا الامر: سنضرب داعش ويفضل الا يتدخل النظام".
&
لا مبادرة لحل الازمة
&
يأسف مقدسي لغياب اي مبادرة لحل الازمة السورية على الساحة، ويقول: "حتى المبعوث الأممي ستيفان ديميستورا عندما اتى إلى سوريا كان تركيزالجانب الرسمي معه على محاربة الارهاب من دون أفق سياسي". ويدعم مقدسي مفاوضات جنيف ومرجعيتها التي ترتكز "على إعادة هيكلة السلطة عبر التوافق السياسي"، مؤكداً أن "القرار السوري اليوم لم يعد في يد السوريين، والدليل انه حينما يتفق الاميركي والروسي يذهب الطرفان إلى المفاوضات رغم التصعيد بينهما"، معيداً سبب فشل المفاوضات إلى "غياب النية السياسية لدى الاطراف في قبول مبدأ التسوية السياسية والإصرار على الحسم والانتصار".
&
واوضح ان "النظام يريد حكومة وحدة وطنية، ووفق الدستور يعني ذلك انها ستكون خاضعة إلى سلطة الرئيس، وترى المعارضة انه اجراء تجميلي غير مقبول بعد كل التضحيات، اما اتفاق جنيف الذي تسعى اليه المعارضة فيؤمن بهيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية، وهو جسم مكوّن من الموالاة والمعارضة والمستقلين، وليس لاستلام السلطة أبداً بل لترتيب اجراء انتقال السلطة ديمقراطياً بمشاركة العقلاء".
&
انت مع رحيل الأسد؟ يجيب: "بيان جنيف لا يذكر رحيله. فالازمة ليست أزمة شخص بل منظومة حكم، وانا مع انجاز التغيير الديموقراطي في البلد ولندع الناس تختار، لأن رحيل أي شخص هو نتيجة وليس شرطاً مسبقاً، الحل لا يكمن في ان نقول له ارحل بكل بساطة"، ويضيف "نأمل ان لا يكون الصراع بين معارضة وشخص، بل بين معارضة بأطيافها ومنظومة ". ودعا إلى "مراجعة نقدية للمواقف وان تكون المعارضة أكثر ليونة وواقعية، والنظام أكثر استجابة للناس ..لان الأخير أكنا نكرهه او نحبه فله اتباع في سوريا، وقد نختلف مع رموزه لكن لا يمكن ازالة انصاره... هذا سياسياً ما اتمناه لأنني أؤمن أن السياسة أجدى من السلاح".
&
للحزب: كرمال تاريخك اخرج
&
وفي شأن تدخل "حزب الله" في القتال، يقول: "التدخل ساعد النظام، فالحزب عبارة عن قوات نخبة منظمة، دخل لانقاذ فريقه السياسي لان ما يجري هناك برأيهم يهدد منظومتهم السياسية"، والوسطية هي مع "سورنة" الصراع ومع ان يخرج اي اجنبي سواء "حزب الله" او ايران او الافغان او الليبيين او السعوديين او التونسيين وهو يعي تماماً أسباب واعذار كل طرف. وما يميّز الحزب بالنسبة إليه "ان تاريخه في موضوع المقاومة قد يكون احد العوامل المساعدة على تخطي الناس لتدخله. هناك فئة تتفهمه وهناك ايضاً من المعارضة من يقول للحزب: كرمال تاريخك اخرج في اسرع وقت لانه لا يزال هناك امكانية لمداوة الجراح".