محمود مراد

&


فاضت أنهر الصحف وتوجعت برامج الفضائيات بما أطلقته القوى الحزبية المختلفة فى المطالبات والرغبات وهى تتحرك استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة!..

واحتار المراقبون فى تفسير أهداف ومفاهيم الاصطلاحات المتدافعة من الائتلاف إلى الجبهة.. ومن الحركة إلى الكتلة، ووصلت حدة المناقشات إلى المناداة بتأجيل الانتخابات لتستكمل الأحزاب عدتها!! وطالب آخرون بإخلاء الساحة من فلول الحزب الوطنى وجماعة الإخوان الإرهابية دون محاكمة وبلا تقنين، بينما صب بعض ثالث جام غضبه على «قيادات» حزبية بدعوى انها تعلى مصالحها الذاتية لتحتكر الزعامة وتتقلد مناصب الرئاسة!؟

وصحيح أن المعركة الانتخابية تحتاج إلى تحالفات ومناورات وتربيطات.. لكن الصحيح أيضا أن هذا أسلوب تقليدى كان من الجائز استخدامه وتطبيقه فيما مضى لمواجهة حزب قوى يرقد على السلطة ولا يريد أن يتزحزح، كما أنه يكون جائزا بل واجبا محتما فى حالة التصدى لخطر داهم (الحرب مثلا).. لكن الحالة المصرية الراهنة بعيدة عن هذا حتى إن قال البعض إنه توجد عصبيات ستتحكم ومال سياسى سيؤثر.. الأمر الذى يتطلب - هكذا طالبوا - إصدار قرارات بالعزل والمنع حتى تخلو لهم الساحة.. وهذا فيما نرى أسلوبا غير ديمقراطى يرفع راية الديمقراطية.. والمدهش - وما يثير الحيرة - أن كل طرف يتحدث باسم مصر مؤكدا أنه يستهدف مصلحتها!

ولكى نقطع الشك باليقين فإنه من السذاجة التنديد بالعصبيات التى تتحكم بما يبطن الرغبة فى القضاء عليها وتفتيتها فكيف يمكن هذا ولمصلحة من؟ ولكن الأجدى والأنفع أن نحسن التعمل معها فى إطار أننا جميعا وطنيون نعمل لمصلحة الوطن التى هى مصلحتنا والأجيال القادمة.. وبالنسبة لما يقال عن «المال السياسى» فهو عندنا وعند غيرنا وسيظل فاعلا.. وينبغى أن يكون التعامل معه أيضا.. بذكاء وموضوعية وبغير أحكام مسبقة.. فنحن نحترم رءوس الأموال وأصحابها ماداموا يعملون لمصلحة مصر وشعبها وفى إطار الالتزام بخطط التنمية الحضارية الشاملة.. فإن ظهر اعوجاج نقاومه.. وإن ظهر فساد.. نحاربه. والمعنى هنا أنه ينبغى أن تتطور أساليبنا دون أن نفقد مبادئنا التى حاربنا طويلا من أجلها وهى فى هذه النقطة تحترم وتساند الرأسمالية الوطنية دون أن تسيطر على الحكم لأغراضها وأغراض آخرين من وراء ستار.. والتى - أى المبادئ - تنحاز إلى الفقراء وإلى عدالة اجتماعية حقيقية تسعى لكى تضمن لكل مواطن الحق فى حياة آدمية كريمة.

وتلك - فيما نرى - بعض نتاج ما حققناه واستعدناه خلال السنوات الثلاث الماضية.. وهذا نفسه ما جعلنا نتساءل: عن أى مصر.. تتحدثون؟

وفى ضوء ما تقدم فإذا كان رجال الأحزاب الذين ملأوا الأجواء طنينا يتحدثون تقليديا - كما فى الماضى - فذلك يعنى انهم لم يدركوا حقيقة عظمة هذا الشعب ومعدنه الأصيل.. أما إذا كانوا يعرفون فإنه ينبغى أن يتسع الإدراك لمعرفة أن الشعب لا يزال يحمل سلاح الإرادة.. وانه ينبغى عليهم الصعود - ولا أقول النزول - إلى حيث القاعدة الجماهيرية للمناقشة حول كل شئونهم والتى هى جزء أساسى من الشأن العام.. أي: الشأن الوطنى، وليس أدل على ذلك من أن كل ما حدث فى مصر مؤخرا انعكس بشدة ووضوح على حياة المواطن العادي.. أى المواطن أيا كان.. الذى يعمل فى أى مجال.. أو: الباحث عن لقمة العيش!!

لقد صار المواطن يدرك أنه لابد من التدقيق قبل الاختيار أمام صناديق الاقتراع.. ولابد من الفرز قبل المفاضلة!.. ومن ثم فإنه من المهم أن يقوم الحزبيون أنفسهم للجماهير للحصول على صك الاعتماد والصلاحية.. وعندئذ سينكشف كل على حقيقته.. وسوف يجىء الانتخاب سليما بلا تأثير وبلا خديعة.. ودون أن يرتدى الذئب ثوب الحمل كما فعل الذين من قبلكم!!

وبهذا - أيها الحزبيون - سوف يتغير خطابكم.. وستتحدثون عن مصر المحروسة البهية.. التى هى أعظم بكثير مما تتصورون.

&