سركيس نعوم
&

&من الرسائل المشوشة والمختلطة التي وجّهتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الإدارة الأميركية، واحدة ترحِّب بالتعاون في مكافحة إرهاب الإسلاميين التكفيريين الإرهابيين الذين يشكِّل تنظيم "داعش" أبرزهم، وتبدي الاستعداد للاشتراك بعناصر نظامية تعمل مع عناصر أميركية على أرض العراق. وأخرى تشير إلى أنها غيّرت رأيها ولن تشارك في التحالف الدولي بقيادة أميركا لمواجهة "داعش" والإرهاب عموماً. هذا التناقض أو التغيير في المواقف ما هي أسبابه؟
المسؤولون المعنيون الأميركيون يعيدونه إلى هوية أعضاء التحالف الدولي، وخصوصاً الذين منهم سيفرزون مجموعات عسكرية وأمنية سواء للتدريب أو للمشاركة مع الثوار المعتدلين في التخطيط وربما للإشتراك معهم في القتال إذا دعت الحاجة. فهؤلاء ينتمون، والمقصود هنا العرب والمسلمون منهم، إلى الإسلام السنّي الذي يشكِّل غالبية في العالَمَين العربي والإسلامي. وبما أن الصراع في المنطقة اتخذ منحىً مذهبياً خصوصاً في العراق وسوريا، فان القيادة الإيرانية بدأت تخشى أن يسفر عمل التحالف في النهاية أي بعد نجاح تدخله عن وضعين لا ترتاح إليهما على الإطلاق. الأول، خسارتها السيطرة أو الهيمنة التامة على العراق بمكونيه الشيعي والسنّي، واستفادة واشنطن من ذلك لتعزيز التحالف مع المكوِّن الكردي المتمتع بالحكم الذاتي على نحو يشعر قادته وزعماؤه أن التخلُّص من دور طهران ونفوذها ومصالحها من الصعوبة في مكان. والثاني، نجاح التحالف في ملء الفراغ في سوريا، بعد القضاء على "داعش" والتنظيمات الإرهابية المماثلة له، وبعد انهيار أو على الأقل بعد إصابة النظام السوري الحليف بضعفٍ شديد جرّاء فشله في استعادة السيطرة على جغرافيا بلاده رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها روسيا بالسلاح، وإيران بالسلاح والمال والخبراء وكذلك بالمقاتلين، ولكن من دول أخرى في مقدمها لبنان ثم العراق.


والأمران المشار إليهما غير مستبعَدين. ذلك أن الإدارة الأميركية لم تخفِ يوماً، وخصوصاً منذ النجاحات "الداعشية" التي فرملت إلى حد ما النجاحات "الأسدية" في سوريا ووجهت ضربة قوية للنجاحات الإيرانية في العراق، لم تخفِ أنهما الهدفان اللذان تسعى إلى تحقيقهما. ولعل أكثر ما أثار ويثير قلق إيران هو أن المملكة العربية السعودية، "الغريم" الأبرز اليوم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخليج بل في العالَمَين العربي والإسلامي، ستخرج من حرب الإتحاد الدولي الذي يُشكَّل الآن بنفوذ كبير اقليمياً وإسلامياً وتحديداً في العراق وسوريا. وطهران ترفض هذا النفوذ أو لا تريده وكذلك نظام الرئيس بشار الأسد.
طبعاً تُلقي مصادر أميركية متابعة مزيداً من الضوء على أسباب الرسائل المشوَّشة والمختلطة الإيرانية لإدارة أوباما بعد نجاح "داعش" في العراق. فظهور الحاج قاسم سليماني في العراق، بعد بدء عملية مواجهة "داعش" ونجاحها في تحرير بلدة "آمرلي" بين الناس وعلى طبيعته أكد وجود نوع من التفاهم المبدئي بين واشنطن وطهران على التعاون. علماً أن هذا الرجل الذي تعرّض أربع أو خمس مرات للاغتيال لم يكن يستعمل "الخليوي" حتى في طهران حرصاً على أمنه وبتعليمات من قيادته. لكن بدء حلفاء إيران من الشيعة العراقيين في الإعتراض على أميركا وتدخُّلها ثم في رفض عسكرها على أرضهم أشار إلى أن القيادة الإيرانية عادت عن التفاهم الذي لن يمكِّنها من الحصول على اعتراف العالم بدورها الأول في المنطقة، والذي سيجعل السعودية على قدم المساواة معها تقريباً. فضلاً عن أن ما حصل لها في العراق كان ضربة مفاجئة لم تستطع الردّ عليها خصوصاً بعد انهيار حلفائها، ولم تكن أصابع العالم المذكور و"حلفائه" في المنطقة بعيدة عنها، ولذلك انتقلت إلى الرد غير المباشر لأن حاجتها إلى أميركا مستمرة كما حاجة أميركا إليها. فكان تصعيد الحوثيين الشيعة في اليمن، ثم كانت العقوبات الأميركية الجديدة على إيران رغم الوعود السابقة بالتوقف عن فرضها ريثما ينتهي التفاوض النووي بينها وبين المجموعة الدولية 5+1.


ماذا عن النظام في سوريا ورئيسها الدكتور بشار الأسد؟ هل أرسل الأخير، مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية رسائل إلى الولايات المتحدة فيها تشوُّش واختلاط وربما تناقض؟ في البداية رحَّب باستعمال أميركا سلاحها الجوي لضرب التكفيريين الإرهابيين في مناطق سيطرتهم ووجودهم، لكنه بعد التشاور مع حليفيه إيران وروسيا عاد عن ترحيبه هذا. ما هي أسباب العودة؟
&