سليم نصار

للمرة الثانية تتولى الولايات المتحدة عملية تشكيل تحالف عسكري يهدف الى إزالة حكم تعتبره الأسرة الدولية خطراً على السلم العالمي. ففي عام 1990 تشكلت قوات التحالف من 32 دولة بقيادة واشنطن من أجل تحرير الكويت من الغزو العراقي.

ولم يجد الرئيس جورج بوش الأب صعوبة في تشكيل ذلك التحالف لأسباب فرضتها المتغيرات الاقليمية والدولية خلال تلك المرحلة.

ذلك أن منظومة الدول الاشتراكية، التي شاركت في إدارة النظام العالمي مدة سبعين سنة، كانت تتصدع وتتفكك الى وحدات انفصالية مستقلة في عهد زعيم موسكو الجديد ميخائيل غورباتشيف. لهذا السبب تجرأت دول، مثل بولندا وتشيكوسلفاكيا، على الانضمام الى قوات التحالف، كمظهر من مظاهر إثبات الاستقلال عن موسكو.

وكما أقلق حالياً تمدد نفوذ «داعش» الدول الاقليمية والخارجية... كذلك أقلق منطقة الخليج في الثمانينات نشوب حربين شنّهما صدام حسين ضد ايران والكويت. ثم هدد بغزو السعودية لإشعار الدول المستهلِكة للنفط بأن إنتاج الطاقة وتسويقها سيخضعان لإشرافه المباشر.

وتؤكد المعلومات الموثقة أن مخاوف الادارة الاميركية كانت جدية، بدليل أنها نصحت صدام بألا يجازف بخوض حرب ضد الثورة الايرانية لأن زخمها قد يدمر نظامه. ولكنه تجاهل التحذير، وانقضَّ على الثورة بضراوة أجبرت الإمام الخميني على قبول قرار مجلس الأمن الداعي الى وقف إطلاق النار. وقد وصف قائد الثورة وملهمها ذلك القبول بأنه «أبشع من شرب السم!». المهم، أن وحدة التنسيق التي تميزت بها قوات تحالف 1990 كانت العامل المؤثر لإرغام جيش صدام حسين على الانسحاب من الكويت.

واليوم تتكرر تلك التجربة بمشاركة 28 دولة اجتمع ممثلوها في باريس تحت شعار إزالة إرهاب «داعش» من العراق وسورية وسائر الدول الأخرى.

ويُستَدَل من المؤشرات السياسية التي حملتها جولات وزير الخارجية الاميركي جون كيري، الى بغداد والقاهرة وأنقرة وباريس، أن التحالف الجديد يواجه عراقيل مختلفة تمنعه من تحقيق أهدافه بالسرعة المطلوبة.

وحاول الوزير كيري التخفيف من وقع هذه العراقيل أثناء الإدلاء بشهادته في جلسة استماع أمام اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ.

وعندما سئل عن عدد الدول والقوى المشاركة، تعمّد مضاعفة العدد الى الخمسين، بعد إبداء التحفظ على مهمات المتطوعين. وقال في تفسير تلك المهمات الغامضة إنها تتعلق بتنوير الرأي العام، وإرشاده الى الحقائق التي ينكرها «الداعشيون» وأصحاب البدع.

&

والثابت أن عملية تضخيم عدد الدول المشتركة في التحالف كانت تتعلق بأهمية موافقة الكونغرس على خمسمئة مليون دولار من أجل تدريب الجيش السوري الحر وتسليحه. وهو الجيش الذي يقوده عمار الواوي، والذي تدعمه واشنطن في مواجهة جيش الرئيس بشار الأسد.

وعلى رغم الدعم السياسي للفريق المعارض، إلا أن الادارة الاميركية امتنعــــت عن تزويد «الجيش الحر» بأسلحة مضادة للطائرات والدبـــابات. وبررت اعتراضها باحتمال وقــــوع هــــذه الأسلحـــة النوعيـــة فــي أيدي رجال النظام. لذلك شنّت الطـــائرات الحربية الاميركية للمرة الأولى هجمات جويــة داخل سورية. وعلى الفور استنكرت دمشق هذه العملية، مُذكِّرة بالحظر الذي أعلنه وزير الخارجية وليد المعلم، والتحذير من خرق سيادة الدولة.

يقول المراقبون إن الغاية من ضرب معاقل «داعش» داخل الأراضي السورية، من جانب سلاح الجو الاميركي، تشكل اختباراً للنظام الذي تراجع عن تلك المواقع. كما تشكل بالتالي اختباراً لنية أوباما حيال نظام يعتبره فاقد الشرعية، كونه تسبب في مقتل أكثر من 170 ألف نسمة وتهجير أكثر من ثلاثة ملايين مواطن. لذلك تصنفه واشنطن في عداد الأنظمة الارهابية، في حين يعلن الأسد أنه أول مَنْ حارب الارهابيين!

وفي هذا السياق، شارك وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يوم الأحد الماضي في اجتماع باريس، مؤيداً الهجمات الدولية المنتظرة ضد «داعش». ولكنه اشترط عدم قصف مواقع سورية أثناء السعي الى مكافحة تنظيم «الدولة الاسلامية».

واستغرب الحاضرون في اجتماع باريس كيف أقحم الوزير كيري دور ايران في موضوع خارج نطاق القمة الدولية. قال إن بلاده رفضت دعوة طهران بسبب علاقتها الوثيقة مع النظام السوري.

وقد قوبلت هذه العبارة بحملة معادية من الأجهزة الايرانية، افتتحها المرشد الأعلى علي خامنئي فور مغادرته المستشفى. قال إن بلاده هي التي رفضت الانضمام الى التحالف الدولي ضد «داعش». والسبب، كما ذكره، لأن الولايات المتحدة تهدف الى الهيمنة على المنطقة بحجة محاربة الارهاب.

ويُستَدَل من مراجعة الخلفيات السياسية لهذا الخلاف، أن ايران لم تدعَ الى اجتماع دول الخليج كونها اشترطت دعوة الرئيس بشار الأسد بصفته يمثل القوة القادرة على مقاتلة «داعش».

وتميل الصحف الاميركية الى اتهام ايران بأنها تلعب دورين مختلفين بشأن مسألة «داعش»، وضرورة إبعاد مشروعه القاضي باحتلال ثلث مساحة العراق.

كذلك يرى المحللون أن التجاوزات والمجازر التي ارتكبها نوري المالكي بحق المواطنين السنّة، ساهمت في شكل فعل في قيام دولة للسنّة بقيادة أبو بكر البغدادي.

وبدلاً من إبعاد المالكي عن الحكم نهائياً، فقد كوفئ بانتقائه نائباً للرئيس، الأمر الذي يؤكد هيمنة طهران على مقاليد الحكم في العهد العراقي الجديد. علماً أن الرئيس فؤاد معصوم اعترض على اتهامه بالتبعية لإيران. ولكن الشكوك لا تلعب لمصلحته بدليل أن رئيس «حزب الدعوة» الذي أسسته طهران لمقاومة صدام حسين، أي الدكتور ابراهيم الجعفري، هو حالياً يشغل منصب وزير الخارجية. أما نائبه السابق في الحزب نوري المالكي، فهو الذي يمارس ضغوطه النيابية لمنع تعيين وزيري الداخلية والدفاع إلا بما ينسجم مع مشيئة ايران. ومعنى هذا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي ليس مستقلاً تماماً في اختيار الوزراء المرشحين لهذين المنصبين.

إضافة الى الدعم العسكري الذي حصلت عليه كردستان من طهران، فهي راضية عن حصتها في الدولة، لأن الرئيس فؤاد معصوم هو كردي... ولأن وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري عُيِّن في منصب نائب رئيس الوزراء.

ولكن هذه التعيينات لن تُسكِت البارزاني عن المطالب الأخرى التي عرضها للحل خلال ثلاثة أشهر. وبينها موضوع إعادة الدَين الى أربيل البالغ 8 بليون دولار، ثم الموافقة على أن يكون في وسع الأكراد تصدير النفط الذي يُستخرَج من أراضيهم.

الحكومة العراقية تعمل حالياً على دمج المواطنين السنّة في الهامش السياسي الوسيع بغرض تجنيدهم في الصراع ضد «داعش». ولكن قائد محافظة الأنبار ادّعى أن الميليشيات السنّية لا تملك الأسلحة المناسبة لمواجهة قوات الغزاة.

وكل ما يطمح الى تحقيقه أفراد هذه الميليشيات هو الحصول على ضمانات رسمية من الحكومة، أولاً... ومن الأسرة الدولية، ثانياً. وبسبب الظلم الذي تعرضوا له في عهد المالكي، فهم يطالبون بضمهم الى التحالف إذا كانوا سيخوضون المعارك البرية ضد محاربي «الدولة الاسلامية.» أي الدولة التي تضم 15 ألف مقاتل من التكفيريين المتزمتين... و20 ألف محارب من رجال القبائل السنيّة... و1500 ضابط سنّي ممن خدموا في جيش صدام حسين.

والمضحك في الأمر، أن قوات التحالف قد أعربت عن استعدادها لمحاربة «داعش» من الجو، في حين اعتمدت في المعارك البرية على الجيش العراقي غير الموجود. أي الجيش الذي تناثرت عناصره بعد احتلال الموصل.

تقول دراسات الخبراء إن تنظيم «داعش» هو نتاج حدثين اجتازتهما المنطقة خلال العقد المنصرم:

أولاً، السياسة الاميركية الخرقاء التي بدأت باحتلال العراق عام 2003 في عهد جورج بوش، ثم استمرت بالانسحاب في عهد باراك اوباما.

ثانياً، الهزة السياسية - الاجتماعية - الدينية التي ضربت العالم العربي منذ عام 2011.

وكنتيجة لهذين الحدثين، انهارت أنظمة عربية عدة، في حين دخلت أنظمة مهترئة في نفق الفوضى والتغيير.

من حصيلة تلك الارتجاجات السياسية وُلِد تنظيم «داعش» الذي استقطب الجهات المغتربة والمضطربة في العالم العربي. كما استقطب نحواً من خمسة آلاف مجند تقاطروا اليه من اوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية. وقد تعرضوا لعمليات غسل أدمغة بأيديولوجيات متطرفة باتت الأنظمة التي خرجوا منها تخشى عودتهم وتأثيرهم في أمنها ومجتمعاتها.

وعليه، فإن النقطة المركزية في كل هذه الوقائع تشير الى حقيقة مرة مفادها أن الأنظمة الفاسدة، المهترئة، والضعيفة، ستبقى المولد الأساس للاضطرابات الاجتماعية والدينية... وخزاناً ضخماً لتفريغ منظمات الارهاب وعصابات السوء والشر.

بقي السؤال الأخير الذي تطرحه دول التحالف حول طبيعة النهاية المتوقعة بعد ثلاث سنوات، كما قال الرئيس اوباما... أو بعد حرب العشر سنوات، مثلما توقع الوزير السعودي الأمير سعود الفيصل.

الاستعجال في تسليح الجيش اللبناني ودعم الجيش الأردني، ينم عن مخاوف خارجية تتعلق باحتمال انهيار تنظيم «داعش» في العراق وسورية، واضطراره الى التمدد باتجاه لبنان عبر طرابلس... وباتجاه الأردن عبر مدينة معان. خصوصاً أن التحصينات المسلحة ستحول دون تسلله الى الجهات الأخرى في تركيا والسعودية وإيران وكردستان!

&


&