فيصل القاسم

ليس صحيحاً أبداً أن المؤامرة على الثورة السورية والشعب السوري قد بدأت بعد سنتين أو أكثر على اندلاع الثورة عندما دخلت الجماعات المتطرفة على خط الثورة، وحرفتها عن مسارها، وجعلت العالم ينظر لها على أنها إرهاب أكثر منها انتفاضة شعبية. القرار ضد الثورة أو ما بات يعرف بـ»المؤامرة الكونية» تم اتخاذه في الخطاب الأول للرئيس السوري في مجلس الشعب بعد أسابيع فقط على اندلاع الثورة. والخطاب لم يكن مجرد موقف فردي اتخذه النظام لمواجهة الثورة بالحديد والنار، بل كان قراراً داخلياً وخارجياً مشتركاً.


ليس هناك أدنى شك بأن النظام قبل أن يعلن الحرب على الثورة أخذ مباركة حلفائه في الخارج ، وعلى رأسهم روسيا وإيران، وربما أيضاً إسرائيل وأمريكا والغرب عموماً، والعرب طبعاً. لم يكن ليتصرف بالطريقة التي تصرف بها أبداً دون ضوء أخضر دولي. فليس هناك مصلحة للكثيرين في الشرق والغرب ، وحتى العرب في نجاح الثورة السورية. ولكل طرف أسبابه ومبرراته.


ليس من مصلحة روسيا أبداً أن تخسر حليفها العربي الوحيد في منطقة استراتيجية ذات أهمية كبرى كسوريا. ولا شك أنه عندما اتصل الرئيس السوري بالقيادة الروسية قبل إلقاء خطابه «التاريخي» لوأد الثورة، لا شك أنه حصل على الموافقة فوراً دون أدنى تردد. ولا شك أيضاً أن الإيرانيين الذين لا يحدث أي شيء في سوريا من دون مشيئتهم أيضاً شدوا على أيدي الرئيس السوري عندما استشارهم في ضرب الثورة في مهدها. لا يمكن لإيران أن تسمح بثورة في سوريا تقضي على أحلامها الامبراطورية، وأن تخسر أداتها وعميلها الأقوى في المنطقة المتمثل بالنظام السوري.


دعكم من الأكاذيب التي تقول إن إسرائيل وأمريكا والغرب تآمر على النظام بتحريض السوريين عليه. لا شك أن هناك مصلحة إسرائيلية، وربما أمريكية في إنهاك النظام السوري وإضعافه، لكن ليس لديهما أبداً رغبة في أن تنجح الثورة السورية، وأن يكون في سوريا دولة ديمقراطية مدنية يمسك بزمامها الشعب السوري، وتكون نموذجاً يُحتذى في المنطقة على حدود إسرائيل. ولهذا، ليس هناك أدنى شك بأن أمريكا وإسرائيل وقوى غربية أخرى باركت نزول الجيش السوري إلى الشوارع، فضربوا بذلك أكثر من عصفور بحجر واحد. أولاً أرادوا إنهاك الجيش السوري، وثانياً أرادوا أن يوقفوا المد الثوري السوري. وبما أن السياسة فن الممكن، وجد النظام أنه من الأفضل له أن يقضي على الثورة ويصبح ضعيفاً، على أن ينتهي تحت أحذية الثوار.


وليس هناك أدنى شك أيضاً أن الكثير من الدول العربية بارك قمع الثورة على أيدي النظام، حتى لو تظاهر بعضهم بتأييدها تحت ضغط الشارع. لا مصلحة أبداً للكثير من العرب أن تنجح الثورة السورية، وتكون نبراساً لبقية الشعوب. لهذا أعطى الكثير من الأنظمة الضوء الأخضر لنظام الأسد كي يقضي على الثورة منذ الخطاب الأول. لقد أراد الكثير من العرب أن تكون الثورة السورية درساً كارثياً مؤلماً لأي شعب عربي يفكر بالثورة لاحقاً. وليس هناك شك بأن الكثير من العرب راحوا يدعمون النظام في ضرب الثورة منذ أيامها الأولى، إلا من رحم ربي. وشتان بين الخطاب العربي الإعلامي والواقع.


لا يمكن لما يسمى بالمجتمع الدولي أن يترك نزاعاً يتفاقم إلى هذا الحد الكارثي كالنزاع السوري، وأن يترك النظام يستخدم كل أنواع السلاح لولا أن ما يفعله النظام مُغطى دولياً ولديه ضوء أخضر لتنفيذه. لم يحدث في التاريخ أن العالم غض الطرف عن طاغية، وحماه كما حمى بشار الأسد، وتركه ليصبح أغلى طاغية عبر التاريخ، من حيث أن ما دفعه الشعب السوري من أجل التخلص منه لم يدفعه شعب من قبل. لا النظام السوري، ولا غيره أقوى من النظام الدولي. ولو لم يكن النظام الدولي سعيداً وراضياً بما يحدث في سوريا، لما استمر النظام في أفعاله، ولما بقي أصلاً. دعكم من ترهات أوباما وخطوطه الحمراء وقوله إن النظام فقد شرعيته. صدقوني: النظام السوري ليس عملاقاً ولا خارقاً للعادة. وهو يفعل كل ما يفعل ليس لأنه صاحب إرادة، بل لأن ما يفعله يتماشى مع المطلوب دولياً في سوريا. ولو لم يكن ما يفعله مطلوباً، ويحظى بمباركة لما استمر الوضع الجهنمي حتى الآن.


مشكلة الشعب السوري إذن لم تكن محصورة مع النظام منذ بداية الثورة، بل كانت مع عشرات الأطراف التي باركت، وشاركت في إيصال الوضع إلى هنا. مشكلة السوريين مع الأطراف التي تستغل النظام لتمرير مشاريعها وتحقيق مصالحها في سوريا كروسيا وايران وتوابعها. مشكلة السوريين مع الدول الاقليمية التي شاركت في تحطيم سوريا، ولم ترد أن تكون هناك ديمقراطية على حدودها تنافسها سياسياً واقتصادياً وحضارياً. لا تصدقوا أن بعض جيران سوريا من غير العرب كانوا مع الثورة. لا أبداً. ربما وقفوا ضد النظام، لكنهم لم يكونوا مع الثورة، بل كانوا يعادون النظام والثورة في آن معاً. مشكلة السوريين مع الغرب المنافق الذي باعهم وعوداً معسولة، بينما كان تحت الطاولة يدعم سحق الثورة، ويبارك تصرفات النظام الهمجية بحقها. مشكلة السوريين مع العرب السعداء بما يجري في سوريا كي يكون درساً مريراً لشعوبهم. دعونا نعترف أن جميع السوريين، شعباً ونظاماً ومعارضة ليسوا في نظر جميع الأطراف المتورطة بالدم السوري سوى أدوات، لا أكثر ولا أقل. لهذا اعتقد أنه من الخطأ مهاجمة طرف بعينه على ما يحصل في سوريا. القصة كبيرة. هناك مباركة وإجماع دولي وإقليمي وحتى عربي على ما يحصل.


لكن ذلك لا يعني أبداً أن النظام انتصر وحقق مبتغاه، فهو الآن أشبه بقاتل مأجور، فلا الذين ورطوه بالدم السوري سيحمونه، ويقبلون ببقائه، ولا السوريون سيسامحونه. لا عجب إذن أن النظام كان، كلما شعر بوطأة الوضع، كان يهدد مشغّليه، وخاصة الإيرانيين، بأنهم هم من ورطوه، وعليهم أن يحموه. وهذا ما فعلوه، وما زالوا يفعلونه حتى الآن. كما أن أجهزة المخابرات تقوم بتصفية أدواتها بعد إنجاز المهمة، حتى لو كانوا من أعز حلفائها، فإن المجتمع الدولي بما فيه الإيرانيون والروس، سيتخلصون من أداتهم بعد أن تنتهي من مهمتها. وعندما تنتهي مهمة النظام لكل حادث حديث.


لقد كان النظام صادقاً عندما تحدث عن «مؤامرة كونية»، لكن المؤامرة لم تكن عليه، كما يدّعي، بل كان هو أحد أركانها، لا بل أهم أدواتها. لقد كانت المؤامرة، وما تزال على سوريا الشعب والوطن والحضارة، والنظام كان وما زال أداة التنفيذ.