عبد العزيز المقالح
&

لا أحد من العقلاء في هذا العالم لا يدين الإرهاب ولا يستنكر بشدة ما ترتكبه المنظمات المتطرفة التي تنتمي إلى جنسيات وأديان مختلفة، ولا أحد أيضاً يعارض العمل على إيقاف كل ما من شأنه إقلاق الأمن العالمي وتهديد استقرار الشعوب . لكن ما يبعث على التساؤل ويجعل كثيراً من العقلاء وأحياناً بعض المجانين يشككون في نوايا الدول الكبرى المتزعمة للتصدي لهذه الظاهرة ما يلحظونه من ازدواجية في المواقف، واختلال في المعايير لدى هذه الدول وعدم مصداقيتها في الوقوف في وجه الإرهاب بكافة أشكاله . ولا يزال العالم يتذكر حتى هذه اللحظة حرب الإبادة التي شنها الإرهاب الصهيوني على غزة منذ أسابيع والتي استمرت ما يقرب من شهر ذهب فيها آلاف القتلى والجرحى من الأطفال والنساء، وتم تدمير أهم البنى التحتية التي أنجزها الفلسطينيون بجهودهم الذاتية عبر ثلاثة عقود من الزمن .


وكانت أصوات كثيرة ارتفعت في أوروبا ومن داخل الولايات المتحدة لا تكتفي بإدانة مجزرة الإبادة فحسب، وإنما تطالب بحشد دول العالم للوقوف في وجه الجلاّدين، بعد أن تمادوا في القتل واستمرار الحرب غير المتكافئة إلاّ أن أحداً من الساسة المتحمسين الآن للحشد المزمع إقامته لمحاربة "داعش"، لم يفعل شيئاً وفي هذا تتوضح الازدواجية وغياب النظرة المتوازنة . ومن يتابع وسائل الإعلام الغربية والأمريكية منها خاصة يجد كأن فكرة الحشد موضوع مقدس وأثير، في حين أن هذه الوسائل كانت قد واجهت دعوة المفكرين وأصحاب الضمائر الحية بالتجاهل، ومنع مقترح الحشد ضد الإرهاب الصهيوني من التداول . وفي هذا وغيره من المواقف ما لا يؤكد اختلال المعايير فقط، وإنما يؤكد التمادي في الاستهتار بالأرواح والدماء والصمت على فظائع تتساوى في بشاعتها مع ما يحدث في المناطق التي يحتلها "داعش" .
لقد قيل الكثير، ومنذ سنوات عن غياب النظرة المتوازنة تجاه ما يحدث من إخلال بالعدل والخروج عن القانون في هذا المكان من العالم أو ذاك، وقيل الكثير أيضاً عن الحروب التي خاضتها وتخوضها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وعن الأهداف الحقيقية من وراء هذه الحروب . وما يهمنا في موضوع الحشد الأخير هو موقف الدول العربية من المشاركة في الحشد القادم الذي يذكرنا بحشود مماثلة تمت تحت رعاية الولايات المتحدة، وكانت نتيجتها القضاء المبرم على الدولة في العراق وجيشها وبناها التحتية والعودة بذلك القطر العربي إلى عصور ما قبل الدولة وقبل التحديث، فضلاً عما تكبدته الدول العربية المشاركة من خسائر مادية ومعنوية من دون أن تحقق مكسباً واحداً تجاه قضاياها المتعثرة، ومشكلاتها التي لا حصر لها . ولا ننسى ما جرى في ليبيا نتيجة مثل هذا الحشد .


ولا بد من الإشارة هنا إلى تلك الأقوال التي ترددت وتتردد كثيراً عن اتهام الولايات المتحدة بأنها كانت وراء إنشاء "داعش" وغيرها من المنظمات المتطرفة إسلامية وغير إسلامية وأنها هي التي تمدها بالأسلحة المتطورة، وسواء صحت تلك الأقوال أم لم تصح، فإن هذه الدولة العظمى بارتكابها جريمة تدمير العراق قد هيأت لإنشاء أكثر من منظمة إرهابية، وفتحت الأبواب واسعة لحالات التمزق والاقتتال التي يشهدها هذا البلد العربي، وأن "داعش" ليس وحده ما يهدد العراق ويؤرق حاضره ومستقبله، فالميليشيات النائمة والقائمة، والميليشيات الرسمية أو شبه الرسمية ليست غائبة عن الأنظار، وقد عانى ويعاني منها العراقيون الأمرين، ولا أحد حتى الآن يدري موقع هذه الميليشيات من الحشد العالمي، وما الثمن الذي سوف تتقاضاه الولايات المتحدة في مقابل هذا الجهد الدولي الكبير؟!