علي الطراح

تنظيم «داعش» يستنفر العالم، ووفق الأخبار تقود أميركا تحالفاً ذا صبغة دولية ضد ذلك التنظيم الإرهابي، وفرنسا تدعو لمؤتمر دولي، كما عقد في جدة لقاء بين الحلفاء لمناقشة سبل مواجهة «داعش»، وهنالك من يرى عدم كفاية المواجهات الأمنية وحدها لصد خطر وضرر هذا التنظيم الذي يسبب القلق سواء للمسلمين أو غيرهم، وقد صار أحد أخطر التنظيمات وأكثرها فعالية في نشر الرعب. والجميع يرى أن المواجهة لابد أن تعضدها مواجهة فكرية، ويبقى السؤال مطروحاً حول الكيفية التي يستطيع بها العالم أن يجمع على طريقة فكرية فعالة في مواجهة هذا النوع من جماعات التطرف والعنف. وبالطبع فالدول الإسلامية هي الأكثر دراية، وهي التي تملك إمكانية تقديم أطروحات فكرية مستنيرة تجد القبول الشعبي لتصد خطر «داعش» وتكبح امتداد فكره المنحرف. وعندما نحلل الظاهرة «الداعشية» نجد أن سلوكها يقوم على الإقصاء والاستفراد والغلو والتسلط، وهو نمط فكري سائد في معظم التنظيمات الإسلاموية السياسية، ونحن في المنطقة العربية كان لدينا الكثير من هذا السلوك الذي قد يؤدي إلى انتشار الفكر المتطرف بين قطاعات من الشباب الذين يمكن التغرير ببعض القاصرين منهم.

وفي بعض الحالات العربية والإسلامية كانت الدولة، تهيمن على المساجد والمناهج ووسائل الإعلام، وسيطرتها قد لا تنطلق بالضرورة من رؤية شمولية سواء أكانت قصيرة أم بعيدة المدى بقدر ما تناور أحياناً لتحقيق مطالب خاصة ببعض التنظيمات الإسلاموية، ومن ثم تستغل تلك التنظيمات الدينية الفرصة وتنشر أفكارها المتطرفة. وقد وصلنا إلى مرحلة تغولت فيها جماعات الإسلام السياسي وحاولت السيطرة على اللعبة السياسية لتحقيق أجندات مبيتة في أذهان قياداتها ومناصريها. وفي الكويت على سبيل المثال ظهرت لدينا «لجنة الوسطية» وكانت تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي تخضع لسيطرة «الإخوان المسلمين» كتنظيم سياسي. ووفق ذاكرتي عندما طلبت مني شخصياً المشاركة في «لجنة الوسطية» تلك وجدت أن ذلك التنظيم يحكم كل جوانب الدراسات التي تقوم بها اللجنة، وأن معظم هذه الدراسات تكلف بها شخصيات مرتبطة سياسياً بالتنظيم. وفي البداية اعتقدت أن العمل يسير وفق رؤية واضحة إلا أننا في نهاية المطاف وجدنا أن «الوسطية» ما هي إلا وسيلة لبسط مزيد من السيطرة على أي محاولة جادة لمعالجة ظاهرة التطرف التي انتشرت بين الشباب في المدارس. وقد صرف الكثير من المال الذي يقدر بالملايين على أعمال اللجنة، ولم تقدم لنا «لجنة الوسطية» أي تصور حول معالجة الظاهرة. والمساجد قسمت بين الحركات السياسية، فهناك مساجد لـ«الإخوان» و«السلف» و«السلفية العلمية» و«الجهادية»، وغيرها من مسميات! وما كان الأمر يتم في الخفاء فكل شيء شبه معروف ومعلن عنه، إلا أن الاستجابة الرسمية آنذاك غالباً ما كانت تتسم بالتردد مما كان يزيد تغول حركات الإسلام السياسي.


وفي مصر صودرت حريات المفكرين، في عهود ماضية، وما كان في مقدور الأزهر يومذاك أن يتحرك أو يرفض مثل تلك الممارسات الشاذة والخارجة عن الإسلام، بمعنى أن النظام الحاكم آنذاك كان يفرض سيطرته على الأزهر ويحاول توجيهه سياسياً من دون التفكير في أن مثل هذه الاستراتيجيات قد تقود إلى ظهور مزيد من التطرف. واليوم المعركة الفكرية التي يتحدثون عنها تحتاج إلى مقاربة متماسكة وقادرة على استقطاب مناصرين ومؤيدين، ومن المفترض أن يكون لدى العقل المسلم المعتدل ما يقدمه من بدائل فكرية تحل محل الأرضية المتطرفة المنحرفة التي زرعتها التنظيمات الإسلاموية السياسية. والجهود ينبغي أن تكون جدية ومنسقة حتى لا تبقى هنالك إمكانية لأن يظهر علينا «داعش» أو أي تنظيم متطرف آخر في أي مرحلة في المستقبل.