مصطفى الكاظمي

&

كان التفكير في إحداث انسجام عراقيّ كامل حول الحرب على "الدولة الإسلاميّة" همّاً عراقيّاً، منذ أن دخل هذا التنظيم محافظة الموصل في حزيران/يونيو الماضي، وقبل ذلك الفلّوجة في مطلع العام الحاليّ.

&لكنّ تحقيق هذا الانسجام كان يصطدم على الدوام، بإشكالات سياسيّة وأمنيّة لا تمتّ بصلة إلى موقف كلّ الأطراف من هذا التنظيم الإرهابيّ، فالسنّة والشيعة والأكراد دانوا جميعاً، جرائم تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وأكّدوا مراراً ضرورة التوحّد لمحاربته، لكنّ الانسجام لم يتحقّق يوماً حول هذا الهدف.

فتارة، كان زعماء سنّة يرفضون وجود "الدولة الإسلاميّة" في المدن السنّية، ويؤكّدون أنّ من احتلّ المدن هم "ثوّار العشائر"، وتارة أخرى، يعترفون بوجود "الدولة الإسلاميّة"، لكنّهم يرفضون أن ينخرطوا في حربها تحت ظلّ الحكومة العراقيّة السابقة، التي كانوا يأخذون عليها الاستعانة بالميليشيات، والقصف الجويّ العشوائيّ، والإقصاء السياسيّ، والسلوك الأمنيّ الذي أهان السكّان لسنوات.

قيادات متطرّفة سنّية معارضة للحكومةيبدو أنّ الخلافات السنّية والكرديّة مع الحكومة، وجدت مساحة كبيرة إلى الحلّ مع تغيير حكومة نوري المالكي، ومجيء حكومة حيدر العبادي، التي اتّخذت سلسلة قرارات لتحقيق الانسجام العراقيّ الداخليّ في الحرب على "الدولة الإسلاميّة"، أهمّها إيقاف قصف المدن، والقبول بالتسويات السياسيّة للخلافات السابقة، ودعم تسليح البيشمركة الكرديّة، والمضي في دعم التحالف الدوليّ، والاستجابة إلى الترتيبات الأمنيّة التي ستسمح بدور كبير للسنّة والأكراد في محاربة "الدولة الإسلاميّة" على الأرض، وبالمشاركة السياسيّة في القرار في بغداد.

وبدا أنّ الانسجام العراقيّ الداخليّ في طريقه إلى التحقّق أخيراً، بالتزامن مع انسجام دوليّ عامّ، ترجمته مقرّرات مؤتمري جدّة وباريس، حول مساعدة العراق في حرب تحرير مدنه من التنظيم المتطرّف.

لكن ماحدث، أنّ هذا الانسجام تعرّض أخيراً إلى التهديد مجدّداً، تارة على المستوى الدوليّ، عندما بدأ الخطاب الإيرانيّ يصبح أكثر تشدّداً تجاه هذه الحرب، وتجاه التعاون مع الولايات المتّحدة الأميركيّة لتحقيق هذا الهدف، في مقابل تأكيد واشنطن أنّها لن تتعاون مع إيران، وتارة أخرى على المستوى الداخليّ عندما أعلن الزعيم الشيعيّ مقتدى الصدر ومجموعة مسلّحة شيعيّة هي "كتائب حزب الله" رفضهما المشاركة مع واشنطن في الحرب على "الدولة الإسلاميّة"، وتهديدهما الانسحاب من المعارك، أو مقاومة القوّات التي تهاجمها.

المثير في كلّ ذلك أنّ عدم تحقيق الانسجام في الحرب ضدّ "الدولة الإسلاميّة" لم يكن في أيّ مرحلة، ينطلق من منطلق الخلاف على التنظيم، فقد كان دائماً تنظيم "الدولة الإسلاميّة" عدوّاً للجميع، وتهديداً حقيقيّاً لهم، لكنّه الفائز الأكبر طوال الشهور الماضية، من كلّ حالات عدم الانسجام العراقيّ والإقليميّ والدوليّ.

فقد قدّمت الخلافات العراقيّة والتقاطعات الدوليّة خدمات كبيرة إلى تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وساهمت في منح التنظيم فرصاً للتوسّع في الأرض، وكسب المؤيّدين، وفرض واقع على منطقة واسعة تمتدّ بين بلدين هما سوريا والعراق.

يمكن للعراقيّين في مطلق الأحوال، فرض الانسجام الدوليّ، ولا يمكنهم إقناع المتخاصمين الدوليّين بحجم الخطر الذي يمثّله التنظيم على المجتمع الدوليّ.

وقد كان خطاب الرئيس العراقيّ واضحاً في هذا الشأن، عندما تحدّث عن ضرورة أن يكون قرار الحرب على "الدولة الإسلاميّة" قراراً يجب أن يشارك فيه الجميع، وأضاف: "ليس المهمّ أن يشارك الجميع في الحرب، بل المهمّ أن يشاركوا في القرار".

المطلوب اليوم هو إعادة جدولة الأهداف الإقليميّة والدوليّة، ليكون في الإمكان تحقيق الانسجام، في حدوده الدنيا عل الأقّل، في هدف الحرب على "الدولة الإسلاميّة"، والمطلوب أيضاً أن يسعى العراقيّون باعتبارهم المعنيّ الأوّل في هذا الموضوع، إلى تجاوز خلافاتهم، وانحيازاتهم، وتجنّب الدخول في صراع جديد، يستثمره تنظيم "الدولة الإسلاميّة" للتوسّع في مناطق جديدة من أراضيهم.

&