ينذر تصاعد الأحداث المتسارعة في صنعاء بتضاؤل فرص الحل السلمي مع جماعة الحوثيين إيذاناً بالوصول إلى مرحلة «الانفجار الكبير» إذ اشتدت أمس المواجهات العنيفة في الأحياء الشمالية والشمالية الغربية لصنعاء بين مسلحي الجماعة وقوات الجيش وامتدت لاحقاً إلى جنوبها مخلفة عشرات القتلى والجرحى.

واستخدمت الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وتساقطت القذائف أمس فوق مبنى التلفزيون الحكومي وجامعة صنعاء، وقصف الطيران الحربي مواقع للجماعة في محافظة مأرب (شرق صنعاء)، في حين استمر توقف الطيران المدني وأعلنت السلطات تعليق العمل في المنشآت التعليمية على رغم الأنباء عن قرب التوقيع على اتفاق يرعاه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر يتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار.

ويطوق آلاف المسلحين الحوثيين العاصمة صنعاء منذ أكثر من شهر للمطالبة بإسقاط الحكومة وإلغاء الزيادة في أسعار الوقود وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وإشراكهم في القرار السياسي، في حين يعتقد مراقبون أنهم «يستغلون هذه المطالب ويناورون حولها كسباً للوقت ولتنفيذ مخططهم الرامي إلى إسقاط صنعاء بالقوة وفرض واقع جديد على مسار العملية الانتقالية برمتها.

وشملت مواجهات أمس أحياء شملان والنهضة والجراف وصوفان ومذبح وشارع الثلاثين، كما امتدت إلى قرب مبنى وزارة الداخلية في ظل هجوم مستميت للمسلحين الحوثيين للسيطرة على جامعة «الإيمان» ومبنى التلفزيون ومنازل خصومهم القبليين من آل الأحمر ومقر ما كان يعرف بالفرقة الأولى مدرعة حيث لا تزال تتمركز وحدات من الجيش تتبع للمنطقة العسكرية السادسة.

وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من أكثر من مكان، وسقطت قذائف في حرم جامعة صنعاء ما دفع إدارتها إلى إعلان وقف الدراسة حتى إشعار آخر، وكذلك أعلنت وزارة التربية تعليق العمل في المدارس الحكومية بسبب تصاعد المواجهات.

وقدرت مصادر عسكرية وطبية سقوط أكثر من سبعين قتيلاً على الأقل من مسلحين ومدنيين وجنود جراء مواجهات أمس، بينما أفادت المصادر بسقوط قذيفة على مستشفى «آزال» الأهلي المقابل لمقر الفرقة الأولى مدرع (سابقاً) ما أدى إلى قتل شخص على الأقل وإصابة أربعة آخرين.

وتواصلت عملية نزوح السكان من الأحياء التي تحتدم فيها المواجهات في شمال صنعاء وشمالها الغربي إلى مناطق أخرى مع بقاء الآلاف محاصرين داخل منازلهم في ظل إغلاق الطرقات وعدم السماح بوصول فرق الإسعاف، وفيما سمع تحليق الطيران الحربي في سماء صنعاء أفادت مصادر قبلية لـ «الحياة» بأنه نفذ ضربات جوية استهدفت تجمعات لمسلحين حوثيين في مديرية القراميش في محافظة مأرب (شرق صنعاء) من دون أن تتسنى معرفة حجم القتلى».

وعلى رغم تسارع الأحداث وخطورتها لا يزال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يراهن على مخرج سلمي يجنب البلاد الدخول في حرب شاملة، إذ استنفر أمس كبار القادة في حزبه المؤتمر الشعبي الذي بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح أملاً في دعم الحزب موقفه إزاء التصعيد الحوثي.

وأفادت مصادر رئاسية لـ «الحياة»، بأن هادي وافق أمس على شروط الحوثيين التي حملها المبعوث الأممي بنعمر من صعدة بعد ثلاثة أيام من التفاوض مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وهو ما يعني إمكان التوصل إلى صيغة نهائية لاتفاق يتم التوقيع عليه لإنهاء الأزمة القائمة، شريطة عدم ظهور أي تطورات تنجم جراء الأحداث المتصاعدة على الأرض.

وهاجم هادي خلال اجتماعه أمس باللجنة العامة للحزب جماعة الحوثيين وقال «إن وصول مليشيات الحوثي المسلحة إلى صنعاء واحتلال وتدمير بعض المنازل والمرافق الحكومية ومحاولة محاصرة المعسكرات والمخيمات المسلحة (...) عمل لا مبرر له وإنما هو هروب من مستحقات الخروج الآمن باليمن إلى بر الأمان وعدوان على العاصمة التي تمثل اليمن كله».

واستعرض هادي في اللقاء الجهود التي بذلت لإنهاء الأزمة مع الحوثيين طيلة الأسابيع الماضية معبراً عن استيائه من تعنتهم، وأشار إلى أن كل «المفاوضات والمحادثات واللقاءات والاتصالات» معهم «لم تأت بجديد» بما في ذلك جهود اللجنة الرئاسية الوطنية التي كان أوفدها إلى صعدة في الجولة الأولى للمفاوضات والتي عادت على حد قوله «بخفي حنين».

وفي حين تتزايد الضغوط على الرئيس اليمني «لإعلان النفير العام وفتح باب التجنيد الطوعي لإسناد الجيش في مهمة الدفاع عن صنعاء، وكان آخرها دعوات «هيئة الاصطفاف الوطني» التي كانت تشكلت من قوى وتيارات مختلفة لدعم الحكومة، يُشدد هادي على ضرورة التوصل إلى حل سلمي ويؤمل أن تثمر جهود بنعمر لإنقاذ العملية الانتقالية من الانهيار.

وكشفت مصادر حكومية عن أن صيغة الاتفاق النهائية التي يعدها بنعمر للتوقيع تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية وخفضاً جزئياً في سعر الوقود، مقابل انسحاب المسلحين الحوثيين المحاصرين لصنعاء بمجرد سريان الاتفاق، وإزالة الاعتصامات المرابطة في شارع المطار عقب الانتهاء من تشكيل الحكومة.
&