طراد بن سعيد العمري

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجيته ضد الإرهاب بعد تلكؤ لتتوافق مع ذكرى الـ11 من سبتمبر، فجاءت إستراتيجيته ذات الأربعة محاور هشة وغامضة ومليئة بالثقوب ومنقوصة أيضاً، وهو ما يجعلنا نجادل بأن ما بُني على هش وغامض ومثقوب ومنقوص مصيره الفشل والفوضى وتفاقم الخطر. صمت بعض الدول المعنية في المنطقة ومحاولة النأي بنفسها يفسِّر لنا بعضاً من عواقب وخيمة تنتظر الإستراتيجية المزعومة. ولذا نقترح على السعودية أن تنأى بنفسها عن إستراتيجية أوباما، والأفضل أن تقود تنسيقاً، وليس تحالفاً، لدرء خطر «داعش».

&

أولاً: كيف للرئيس الأميركي أو الإدارة الأميركية أن يزعموا صياغة استراتيجية حرب اتفق الجميع على أنها معقدة، قبل الوصول إلى تعريف واضح ومحدد للإرهاب؟ الإدارة الأميركية كانت -ولا تزال- العقبة الكؤود أمام وضع تعريف واضح للإرهاب، أو الإسراع في تنفيذ مقترح الملك عبدالله في إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب. التعامل مع «الإرهاب» قبل تعريفه بشكل واضح ومحدد يجعل الأمر من الناحية السياسية والعملياتية بالغ الصعوبة. والخشية أن يكون الأمر مقصوداً؛ لأن الوضوح سيحد من قدرات الولايات المتحدة على تنفيذ سياستها واستراتيجياتها غير المعلنة؛ للهيمنة والسيطرة على مناطق مختارة من العالم واصطياد أنظمة بعينها، بحجة ذلك «الغول» الوهمي الذي أريد له أن يكون سيفاً مسلطاً على وجود واستقرار الدول الناشئة.

&

ثانياً: إستراتيجية «الريموت كنترول» وقواعد الاشتباك عن بعد، هي عقيدة سياسية/عسكرية فاشلة انتهجتها الولايات المتحدة في العقد الماضي لتحقيق هدفين: الأول: تخفيف عدد الضحايا من الجنود الأميركيين، ومن ثم حجم الغضب في الداخل الأميركي. الهدف الثاني: إبقاء القيادة والسيطرة للولايات المتحدة؛ لتحقيق مغانم استراتيجية كبرى لها في السيطرة على العالم ودحر القوى المنافسة المحتملة.

&

ثالثاً: الغموض الذي يلف ماهية «داعش» وولادتها ومن يقف خلفها وكيف تسارع نموها وأهدافها، يجعل المراقب في حيرة من أمر هذا التنظيم، ومن الانتباه الأميركي المفاجئ لإدراك خطره، وهو ما يعيدنا إلى تذكر ما حصل في أفغانستان والحرب على طالبان بحجة الإرهاب. المؤكد أن إستراتيجية أوباما ستحيل الشرق الأوسط إلى فوضى شاملة وحروب متفرقة تمتد إلى تقويض بعض الأنظمة المتماسكة بعد فوضى «الربيع العربي». فحقائق التاريخ القريب تثبت أن استراتيجية أميركا المعلنة فشلت في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن والصومال. فما الذي يجعلنا نصدق أن استراتيجية أوباما ستنجح هذه المرة ولو بنسبة ضئيلة؟

&

رابعاً: استبعاد روسيا وإيران وسورية يجعل من إستراتيجية أوباما منقوصة و«أضحوكة» مكشوفة لسببين: الأول: أن الدول الثلاث معنية تماماً بأي تحرك جاد يهدف إلى محاربة خطر داعش العابر للحدود. السبب الثاني: أن الإدارة الأميركية تحاور تلك الدول من «تحت الطاولة» وتنوي ضمها بشكل غير معلن في الحملة ضد «داعش»، لكنها تخشى من انفراط عقد التحالف الموالي لها من ناحية، وتخفيف التناقض في التصريحات المعلنة من ناحية أخرى.

&

خامساً: «داعش» منظومة إرهابية تعمل على تقويض مجموعة من الدول، مثلها مثل القاعدة وكل التنظيمات الثورية التي تعمل بتكتيك الحزم المهلهلة والخلايا المفككة كالتي انتشرت في جبال «تورا بورا»، ولا يمكن لأميركا أو الغرب أو أي تحالف أن يجتثها نظراً لطبيعة تكوينها. فالسبيل الأوحد هو محاربتها جزئياً من كل دولة على حدة، لأن في التكالب الدولي على خطر كهذا، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التناقضات السياسية والتهافت القانوني والاختلافات الاستراتيجية والتنافر التكتيكي، وهو ما يجر إلى تضارب المصالح وتنافر الغايات، وتناثر الفوضى ثم انفراط العقد ليصل الأمر إلى النتيجة الأسواء، وهو تعميم الخطر على كل من أسهم في التحالف وساعد في بنائه وشارك فيه علناً أو خفية.

&

أخيراً، نحذر من إستراتيجية أوباما التي وُلدت شوهاء بعد طول مخاض، ويبدو واضحاً أن الرئيس الأميركي غير مقتنع بها، لكنه اضطر إلى ذلك على ما يبدو، تحت ضغط إقليمي متنافر سياسياً من جهة، وضغوط محلية تأتي من المحافظين الجدد تحديداً، من جهة أخرى. ختاماً: على السعودية الدولة الأكبر إقليمياً ألا تكرر الأخطاء وتنزلق إلى مستنقع المصالح الأميركية عبر اتباعها لرؤية أميركية أبعد ما تكون عن إستراتيجية تخدم المصالح السعودية.
&