وليد جاسم الجاسم

مع الإعلان الأمريكي عن تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم (داعش) الذي يتعقب المسلمين الشيعة ويعتبرهم من أول أعدائه ويقتلهم حيث ثقفهم، كان من اللافت للنظر والمثير للتساؤل والحيرة الاتهام الذي وجهه سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني لواشنطن عندما قال رافضاً القرار الأمريكي: ان امريكا بإعلانها هذا إنما تسعى إلى انتهاك سيادة الدول بذريعة مكافحة الإرهاب!! مع ان المنطق يفترض العكس كون أمريكا تنوي تعقب وضرب بؤر إرهابية تضع الشيعة على أول أولوياتها وأهدافها!!


وقال شمخاني في تصريحات تمثل طهران ونقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية التي لا يمكن لها أن تنقل إلا ما يمثل النظام ويعبر عنه، قال.. «بذريعة محاربة الإرهاب تريد الولايات المتحدة مواصلة سياستها الأحادية في انتهاك سيادة الدول».


وقال «ما تقوم به الولايات المتحدة يهدف إلى صرف انتباه الرأي العام العالمي عن الدور المحوري لهذا البلد وحلفائه في تكوين وتسليح وتطوير المجموعات الإرهابية بذريعة إسقاط النظام الشرعي في سورية».
كما حذر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني من التدخل العسكري الأمريكي في سورية. بحجة التحرك ضد داعش، فيما رفض المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي طلباً أمريكياً للتعاون ضد داعش!
إذا.. النظام الإيراني بمختلف قطاعاته يبدو كما لو كان مع الإبقاء على «داعش» التي تستهدف الشيعة!!


نعم.. لا ننكر أن الأمريكان لعبوا أدواراً في خلق بؤر إرهابية في العالم، بل يكفي دورهم في خلق تنظيم القاعدة وتدريب أفراده وتزويدهم بالعتاد أيام أفغانستان ثم تحول هؤلاء المجاهدون الى تنظيم القاعدة الذي ضرب الأمريكان في عقر دارهم، وواشنطن تريد الآن التخلص من (داعش) مثلما أرادت التخلص من القاعدة سابقاً لكن ايران – ممثل الشيعة الأول في العالم – غير راضية عن ذلك!!


يقول الكاتب الأمريكي فريد زكريا: «صحيح أن داعش أكثر تقدماً وتطوراً من القاعدة في عملياتها ووسائلها التكنولوجية، ولكنها تعاني من نقطة ضعف رئيسية كامنة، فبينما كانت القاعدة منظمة اسلامية شاملة تحاول جذب كل المسلمين، تتسم داعش بطابع طائفي واضح، فهي خليفة القاعدة في العراق التي أسسها ابو مصعب الزرقاوي بهدف مناهضة الشيعة». ويقول زكريا: «والواقع أن سبب خلاف القاعدة مع الزرقاوي انها طلبت منه ألا يجعل من المسلمين أعداء له، بينما نلاحظ ان داعش تجاهر بعدائها للشيعة والأكراد وكذلك للمسيحيين والعديد من الأقليات الأخرى في الشرق الأوسط، وهذا يعني ان لهذه الدولة أعداء كثيرين في المنطقة سوف يقاتلونها، ليس لأن الولايات المتحدة تريد منهم ذلك، بل لأن هذا الأمر من مصلحتهم».


كلام فريد زكريا منطقي جداً، ولكن ما يسكب الماء البارد عليه هو الكلام غير المنطقي الصادر عن إيران التي من أجل بقاء النظام في سورية مستعدة لتحمل وجود داعش!!


هذا كله أعاد الى الأذهان تلك الفترة التي كان قادة القاعدة لا يجدون فيها الأمن والأمان إلا في الأراضي الإيرانية، على العكس من الخطر الدائم الذي يتهددهم اذا ظلوا في أفغانستان أو باكستان.. أو توجهوا من ايران الى تركيا كما حصل مع الكويتي – رغم سحب جنسيته – سليمان بوغيث. وهذا بدوره يقودنا إلى الحقيقة التي نعرفها وهي أن «السياسة قذرة».. وإلى النظرية الدائمة عن السياسة بأنها متقلبة لا مبادئ لها إلا المصالح والأهداف، هكذا كانت من زمن مكيافيللي، وهكذا استمرت، وهكذا ستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
&