محمود الريماوي

لا تشكل التهديدات التي تعرض لها الأردن من تنظيم "داعش" على مدى الأشهر الماضية مصدر قلق كبيراً شعبياً كان أو رسمياً . غير أن الانشغال بمتابعة تمدد هذا التنظيم في العراق وسوريا، وترتيبات التحالف الإقليمي والدولي ضده، هو ما يجمع الأردنيين، كما هو الحال في دول قريبة أخرى مثل لبنان وتركيا واليمن ودول الخليج .


الأحاديث خلاف ذلك تنطوي على مبالغة شديدة، فالأردن يتمتع بخبرة كبيرة ومتراكمة في التصدي لجماعات سلفية متشددة، خاصة تلك التي تمارس العنف أو تحرض عليه، ومتابعتها داخل الأردن وخارجه، بما في ذلك تنظيم داعش المنبثق عن مجموعة التوحيد والجهاد التي كان يقودها الأردني ابو مصعب الزرقاوي . لا يعني ذلك أخذ التطورات المتسارعة على محمل هيّن خاصة بعد أن سيطر هذا التنظيم على معظم النقاط الحدودية داخل العراق وسوريا مع الأردن . وفي حال بدء الحملة العسكرية ضد التنظيم على نطاق واسع، فإنه يخشى من تسرب أفراد أو مجموعات من هذا التنظيم عبر الحدود الطويلة المفتوحة مع البلدين . أو استيقاظ "خلايا نائمة" داخل الأردن وقيامها بعمليات تخريبية . وهو ما جعل انصار التنظيمات السلفية الجهادية موضع مراقبة شديدة في الأسابيع الأخيرة فيما جرى التحفظ على عشرات منهم، ممن أعربوا عن مناصرتهم بصورة أو بأخرى لهذا التنظيم .


ليس سراً أن هناك ما يشبه حالة طوارىء واستنفار قصوى على الحدود . وواقع الأمر أن الأوضاع المضطربة منذ أكثر من ثلاث سنوات في سوريا والعراق قد أملت يقظة استثنائية في المناطق الحدودية، بعد أن تكرر دخول وضبط أسلحة ومسلحين من البلدين . والآن فإن هذه اليقظة تضاعفت . ويستفيد الأردن من وضعه الخاص دولياً ومن علاقة الشراكة بالحلف الأطلسي في تعزيز دفاعاته على مختلف المستويات، على مستوى التجهيزات والمعدات والخبراء والتدريب .


وقد شارك ملك الأردن عبدالله الثاني في اجتماع حلف الناتو الذي انعقد في المملكة المتحدة يومي الرابع والخامس من سبتمبر الجاري وذلك بحضور زهاء ستين رئيس دولة في العالم .


وهي القمة التي انعقدت على وقع المخاطر المتزايدة التي بات يشكلها هذا التنظيم للإقليم ولما يتعداه من دول العالم . كما تردد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على الأردن غير مرة، وذلك في نطاق جولاته على دول المنطقة لتدارس سبل مواجهة هذا التنظيم ووضع حد لمخاطره . كما شارك الأردن في اجتماع جدة الذي انعقد يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري بمشاركة أمريكية وبحضور ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وتركيا ولبنان، من أجل الهدف نفسه .


في ضوء ما تقدم لا يملك الأردن ترف الوقوف بعيداً عن هذه التطورات المتسارعة، خاصة أن زعماء من هذا التنظيم طالما رددوا وبغير مواربة أن الأردن هدفٌ لهم كما هو حال لبنان . كما أن إيديولوجية التنظيم لا تعترف بالحدود، ولا بالكيانات السياسية القائمة في المنطقة وتضم خليطاً من الأعضاء ينتمون لعشرات الدول، والأرجح ان بينهم عدداً من الأردنيين .


مع ذلك تعالت اصوات تأخذ على الأردن تساوقه مع الترتيبات الإقليمية والدولية لمواجهة داعش كان أبرزها صوت جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي قالت إن هذه الحرب ليست حربنا، كما اعترض على أية مشاركة أردنية 21 نائباً من أصل 120 نائباً . فيما اتخذت أحزاب قومية ويسارية موقفاً مشابهاً، يقوم على إحياء واستثمار التشكك الشعبي حيال سياسات الولايات المتحدة في المنطقة . وباستثناء أوساط إسلامية وقومية غير معتدلة، فإن هذه المواقف لا تلقى صدى يذكر في الشارع الأردني الذي يستهول الفظائع التي ترتكبها داعش ويشكك في نشأتها وفي مراميها الفعلية .


فيما يتكتم مسؤولون أردنيون حول مدى المشاركة في الحملة الإقليمية والدولية على التنظيم . خاصة أن جوانب هذه الحملة تحاط بأجواء من السرية الشديدة، نظراً لطبيعتها الأمنية والعسكرية المعقدة، ولانتشار التنظيم في أرجاء واسعة من العراق وسوريا، من دون أن يكون له سوى القليل من مراكز التموضع الثابتة . غير أن الوزير الأمريكي كيري سبق أن صرح مرة تلو المرة بأن زهاء 40 دولة عربية وإسلامية أبدت استعدادها للمشاركة بصور مختلفة، والراجح أن الأردن احدى هذه الدول والحال أنه ليست هناك من دولة أو كيان سياسي في المنطقة يمحض التأييد، أو ما يشبهه لهذا التنظيم الإرهابي . أما الاعتراض على الحملة فيقتصر على دمشق وطهران ولسبب يتعلق باستبعادهما من المشاركة فيها . فيما تتحفظ تركيا على المشاركة وقالت إنه حرصا على حياة نحو أربعين رهينة تركي اختطفهم التنظيم في الموصل في يونيو/حزيران الماضي وبعد الافراج عنهم وما صاحبه من جدل لم يتغير الموقف التركي .


يبقى أن هذا التنظيم بإيديولوجيته المفرطة في التشدد والسلفية، وممارساته الوحشية، واستهدافه للمسلمين وغير المسلمين، وتهديداته للدول والمجتمعات، ودعواته لتهديم أركان الدول وتقويض مبدأ القانون والمواطنة، وضع نفسه في موقع العداء التام مع كل محيطه، علاوة على استعداء الغرب والشرق، فلا يعود غريباً والحالة هذه أن يجري تجنيد حملة ضده، هي في واقع الأمر ذات طابع دفاعي ووقائي . ومن وقف متفرجاً على هذا التنظيم وهو ينمو ويتمدد وينتشر ويستفحل خطره، ليس له الآن أن يشكك في دواعي الحملة وأهدافها . . إن ما هو موضع تشكك حقاً، هو اعتماد سياسة تترك هذا التنظيم ينهش المجتمعات والدول .