سلطان العامر

عندما استولت الدولة الإسلامية على الموصل في حزيران (يونيو) الماضي، جاء رد الفعل الأميركي والإقليمي بشكل رئيس ضد نوري المالكي. فأوباما أوضح أن المساعدة والتعاون الأميركيين مشروطان بتشكيل حكومة جامعة لكل الطوائف، كما أن دولاً إقليمية قد صرحت بأن ما حدث في العراق هو نتيجة للسياسات الإقصائية والطائفية لحكومة المالكي.

&

استغرقت عملية إزاحة المالكي شهرين، استطاعت خلالهما الدولة الإسلامية أن تتمدد أكثر، وتستطيع أن تركّز قواتها في المناطق التي تسيطر عليها. لكن بعد إعلان تولي العبادي رئاسة الوزراء العراقية بيوم واحد، بدأت الطائرات الأميركية بقصف مواقع للدولة الإسلامية، ومع اكتمال تشكيل الحكومة العراقية في الثامن من أيلول (سبتمبر)، أعلن أوباما أن شرط وجود الحكومة الجامعة في العراق بات متحققاً. ثم قال: «فمنذ الليلة، ومع وجود حكومة عراقية جديدة.. أستطيع أن أعلن أن أميركا ستقود تحالفاً واسعاً لسحق هذا التهديد الإرهابي».

&

لنلقي نظرة على هذه الحكومة الجامعة.

&

فرئيسها -أي العبادي- عضو في حزب الدعوة الذي تسلم أعضاؤه الآخرون وزارات الصحة والتعليم والعمل. أما بقيّة التيارات والأحزاب الشيعية فقد حصلت على الوزارات الرئيسة من نفط وخارجية وعدل، إضافة إلى عدد كبير من الوزارات، في حين أن حوالى عشر وزارات فقط -جلها خدمية- ذهبت إلى السنة والأكراد (٧ للسنة و٣ للأكراد منها وزارة المالية). أما المناصب الأمنية -كوزارات الداخلية والدفاع- فما زالت شاغرة.

&

فإن كان معنى «حكومة جامعة» هو أن يكون التوزيع الطائفي والقومي للوزارات «متوازناً» - أياً يكن معنى هذا التوازن- فإن التوزيع في حكومة العبادي لا يختلف بشكل كبير عن حكومة المالكي عام ٢٠١٠. بل إن المكوّن السني كان يسيطر على وزارة «سيادية»، هي المالية، والتي ذهبت في هذه الحكومة إلى الأكراد. وكما أن المالكي كان يتولى وزارات الدفاع والداخلية بنفسه، ما زالت هذه الحقائب معلقة، أو بمعنى آخر هي تحت سيطرة العبادي.

&

أما إن كان معنى «حكومة جامعة» هو استقلال القرار العراقي من الهيمنة الإيرانية والأميركية، فإننا نستطيع بارتياح أن نذكر بأن تولي العبادي منصبه إنما جاء بفضل توافق هاتين الهيمنتين.

&

ويمكن الإشارة إلى الصراع الدائر حول منصب وزارة الداخلية، إذ إن المرشح المدعوم من إيران زعيم تنظيم بدر- وهو بالمناسبة قائد ميليشيا مسؤولة عن فرق الموت التي ارتكبت مذابح طائفية بعد الاحتلال الأميركي- هادي العامري يلقى رفضاً من الولايات المتحدة التي باتت تحمل نفوذاً على الحكومة العراقية بفضل حاجة الأخيرة إليها للتصدي لـ«داعش». وأخيراً، هددت ميليشيا بدر بسحب مقاتليها من الحرب ضد التنظيم بسبب خضوع العبادي للولايات المتحدة.

&

ماذا يبقى؟ لا يبقى إلا بعض الخطوات الرمزية التي اتخذها العبادي منذ توليه منصبه. فعلى سبيل المثال تخلى عن لقب «دولة رئيس الوزراء» الذي كان يستخدمه المالكي واكتفى بـ«رئيس الوزراء»، وعندما جلس مع نوابه جلس إلى جانبهم ولم يجلس مستقلاً عنهم كما كان يفعل سلفه. وأيضاً، فقد رفض العبادي أن تعلق صورته في المكاتب وفي الجيش مثلما كان يحث على ذلك سلفه. كما أعلن قبل أيام عن وقف كل عمليات القصف الجوي ضد المناطق المدنية في المناطق السنية. إلا أن الجميع يعلم، أنه في اليوم التالي من هذا الإعلان قُصف مستشفى في الفلوجة وغيرها من الأماكن.

&

إلا أن القضية الرئيسة لا تقع في هذه الجوانب، بل في جانب مهم وهو علاقة الحكومة بالميليشيات الشيعية. فبحسب فيليب سميث -أحد المتخصصين في الميليشيات الشيعية في العراق- «يوجد هناك حوالى 50 ميليشيا شيعية». هذه الميليشيات تقطع الرؤوس، وتقتل المصلين في المساجد، وتقتل السجناء -حتى لو كانوا أطفالاً- وهم في زنازينهم، وتخطف وتعدم المدنيين السنة في المناطق الخاضعة للحكومة. كثير من هذه الميليشيات تعتبر امتداداً للأحزاب السياسية، فسرايا السلام ذراع للتيار الصدري، وسرايا عاشوراء ذراع للمجلس الأعلى الإسلامي، وهذا غير ميليشيا بدر السابقة الذكر.

&

هذه الميليشيات تسيطر أمنياً على مناطق عدة تقع -اسمياً- تحت سيطرة الحكومة، كما أنها متغلغلة داخل الحكومة، وتشكل جزءاً رئيساً من أجهزتها وتشكيلاتها الأمنية. بل إن أحد هذه الميليشيات، وهو كتائب حزب الله- والمصنف أميركياً بأنه إرهابي -استخدم طائرات الحكومة المروحية أثناء معارك فك الحصار عن آمرلي. يمكن القول إن تشكل ميليشيات في الحروب الأهلية أمر يمكن تخيله، لكن غالبية هذه الميليشيات تتلقى دعمها وتدريبها وتسليحها من إيران في السنتين الماضيتين لتزويد وإمداد بشار الأسد بالدعم اللازم لقمع الثورة السورية، عادت هذه القوات إلى العراق فوراً بعد سقوط الموصل.

&

ماذا يتبقى إذنْ من معنى لأسطورة «حكومة جامعة»؟ لا شيء، إلا إذا فهمنا منها حكومة يكون النفوذ الأميركي فيها أكبر من قبلُ، ويضاهي النفوذ الإيراني. أو بمعنى آخر أن ذهاب المالكي لم يؤدِّ إلى ذهاب «نظام المالكي» بل استمراره بتعديلات تضمن النفوذ الأميركي عبر مركبي «قتال داعش» و«دمج السنة».

&

ماذا يعني هذا للدول العربية التي تتسارع في المشاركة في التحالف الدولي؟ يعني أن عليها أن تجيب عن هذا السؤال: ماذا تستفيد من المشاركة في تحالف لن يؤدي إلا إلى تقوية إيران وحلفائها في المنطقة وإعادة تأكيد الهيمنة الأميركية في المنطقة وترك جروح طائفية لا يمكن دملها؟

&


&