عبدالعزيز الكندري

يقول الإمام جعفر الصادق: «لأن أندم على العفو عشرين مرة، أحب إلي من أندم على العقوبة مرة واحدة».

كيف نستطيع أن نكتسب الوعي اللازم للتفاهم في ما بيننا صغارا وكبارا رجالا ونساء، وأن يتقبل بعضنا مع بعض ما دام هناك قلة قليلة منا لا ترى إلا من زاوية واحدة سوداء داكنة، وهم بارزون مع الأسف ولكنهم من أسفل... لا يجيدون إلا التشكيك بالآخر والطعن فيه، ولا مكان لديهم للتسامح على الإطلاق، وكأننا في سباق للخيول يجب على هذه الخيول النظر للأمام فقط نتيجة التوجيه لكسب السباق... أما هم فيقتاتون ويعيشون على تأجيج كره الآخر، ومشكلة النظرة السوداء تجعل الإنسان يقبل ما يسمع من أول مرة ما دام ألغى عقله وعطله عن التفكير، وكيف يمكن لأطفال في عمر الزهور يعرفون تفاصيل دقيقة عن الطائفية ويتعايرون فيها بل ويتحدث وينادي بها، من أين تعلم هذه المهنة؟... أليس من البيت والإعلام؟

هل الإنسان العاقل الواعي المحب لبلده ويتمنى مستقبلا أفضل لأولاده يزن الأمور ويضعها في نصابها الصحيح يقبل بالطائفية وإلغاء الآخر وقبول الأكاذيب والانغلاق والانعزال وغيرها من الصفات البغيضة والممجوجة، ويعلمها لأطفاله صباح مساء؟ وهل الإنسان الناضج يقبل بهذا الأمر؟ أنا متأكد بأن الإجابة ستكون لا وبالفم المليان...

على الجميع أن يتحمل مسؤوليته تجاه نفسه والآخرين، ولا أن نغتر بالأسماء والمسميات الرنانة والتي تخرج علينا صباح مساء، وكل همها إذكاء الطائفية وإشعال نيرانها عبر الصحف والقنوات الفضائية المختلفة... لأن من دونها لا يستطيع أن ينجح، أو أن يتكسب ويقتتات على عقول البسطاء من الناس.

أمر آخر وهو يجب أن نعي جيدا بأن مقولة الهيمنة والمؤامرة أصبحت من الماضي، وما هي إلا اختراعات واهية من صنع بعض العقليات العربية...

أنا أعتقد أن أكثر الذين يدقون على نار الطائفية، هم أشخاص يريدون أن يستفيدوا منها لأسباب خاصة جدا وشخصية بالدرجة الأولى، وللاستفادة منها إما في الانتخابات وكسب تعاطف أكثر عدد من البسطاء والعزف على مشاعرهم البسيطة، أو حتى أنه يريد منصبا معينا له ولمن حوله، وقد تكون معاملة خاصة يريد تمريرها أو أجندات أخرى...، وهم قلة قليلة ولله الحمد والمنة، ويجب ألا ننسى بأن هناك جهودا مخلصة تريد نشر الوعي الصحيح، وتلاحظ ذلك من خلال حديثهم وما يخرج من قولهم عن طريق القنوات الإعلامية المختلفة، وهم يستحقون التقدير والاحترام... وهم أقوياء وليسوا ضعفاء، وكما يقول نيلسون مانديلا: «الشجعان لا يخشون من أجل السلام» فكن شجاعا وتسامح وسامح.

ومن نافلة القول أقول بأنه لو توافر لدينا ثلة ومجموعة من قادة الرأي المختلفين في تخصصاتهم، وكانوا على مستوى عال من المسؤولية والوعي والفهم، إضافة إلى كتل سياسية عاقلة وناضجة، إلى حكومة تضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون مجاملات، وميزانها في هذه الكفاءة والمواطنة فقط لاغير، لتغير حالنا للأفضل، ولزاد وعينا في قبول بعضنا...

أتمنى أن نعي ذلك جيدا، وأن يتقبل بعضنا بعضا أكثر، من أجل مستقبل زاهر لنا ولأبنائنا وحتى يتعايشوا بتسامح مع بعضهم البعض... وصدق من قال: «في العفو لذة لا نجدها في الانتقام».
&