خلف الدواي

تحتفل المملكة العربية السعودية اليوم بيومها الوطني في ظل ظروف لانقول إنها بالغة التعقيد فحسب، بل بالغة الخطورة حيث تمر المنطقة بأحداث تشير الى تحالفات لم تكن متوقعة للبعض، غير ان أهدافها وأحداثها تكشف صورتها وتشير الى مستقبل (الله أعلم بما ينبئ به)!!.


فما يشهده العراق من تمدد ايراني على مدى 11 عاما منذ اسقاط نظام صدام حسين، بما يحمله هذا التمدد من بسط لشعارات الثورة الخمينية على أرض السواد شمال المملكة، يقابله بروز قوي لجماعة الحوثيين المنشقة عن الزيدية في اليمن جنوب المملكة السعودية بدعم ايراني.


في سورية الحليف الاستراتيجي لطهران شمال غرب السعودية ولد تنظيم داعش بهوية سنية يمارس عملياته الارهابية في قرى ومدن السنة على الاراضي السورية والعراقية، وسط معلومات تؤكدها الاحداث عن تبعية هذا التنظيم لعمليات التهجين الايرانية الأمريكية في المنطقة، ولعل ما يزيد الاعتقاد بذلك ما اعلنته واشنطن من قوة لهذا التنظيم لم تعلن لتنظيم قبله حتى القاعدة التي انشأها الـ(C.I.A) في جبال تورا بورا وحطمتها في منهاتن!
أما غربا فرغم كل ما تعلنه واشنطن من محاربتها الفكر الديني المتطرف الا ان الايرانيين أنفسهم منزعجون من صرف حكومتهم مليارات الدولارات على نشر مبادئ الثورة الخمينية في الدول الافريقية المتاخمة للبحر الاحمر غرب السعودية!!


وقد لا يحتاج الحديث عن التطويق شرقا اكثر من التذكير بموقف طهران من احداث البحرين وما تناغم معها من موقف واشنطن التي أعلنت وقتها عن سحب قيادة الاسطول الخامس من المنامة على الرغم من ما اكتنف مملكة البحرين من خطر دفعه التدخل السريع لقوة درع الجزيرة بقرار هو الأجرأ خلال السنوات الاخيرة!!


في العام 1994 اجرى الجيش الكويتي مناورات مع الجيش الامريكي اشتملت على محاضرات سياسية بحضور قيادات عسكرية أمريكية وكويتية، وكان من ابرز المحاضرين د.عبدالله النفيسي الذي فاجأ الحضور بالحديث عن بداية تأسيس قوات التدخل السريع في الجيش الأمريكي مباشرة بعد مقتل الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، مشيرا في ذلك الى تأكيدات وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر الذي لايزال مستشارا في الخارجية الأمريكية على ان استخدام الملك فيصل لسلاح البترول امر لم يكن متوقعا، لكنه ينذر بعدم جواز ترك المنطقة عرضة لاتخاذ مثل هذا القرار، فكان العمل منذ ذلك الوقت على دخول المنطقة في ظل التجاذب السوفييتي الأمريكي آنذاك.


أما بالتوجه الى تاريخ المنطقة فقد تحدث الكاتب عبدالله خلف في مقال نشره في الوطن قبل ايام معتمدا على كتب تاريخية، تحدث عن التناغم بين الحضارتين الفارسية والغربية منذ ما قبل الاسلام عندما لم تستطع أي منهما ازاحة الاخرى فكان الاتفاق على أنهما الاعلى وماعداهما فلايجب ان يرتقي عن التبعية، ما يؤكد ان التاريخ عنصر أساسي في رسم خارطة الاحداث، فكيف اذا ما كان التاريخ سجل انهيار تلكما الحضارتين على يد الدين الذي انطلق من جزيرة العرب؟!


واليوم ومن التاريخ ايضا نقول ان المملكة العربية السعودية تحتفل بيومها الوطني الرابع والثمانين حسابا بالسنوات الهجرية والثاني والثمانين حسابا بالتاريخ الميلادي، تخليدا لاعلان الملك عبدالعزيز في يوم 19 سبتمبر من العام 1932 بدء اعلان المملكة العربية السعودية دولة موحدة اعتبارا من 23 سبتمبر من نفس العام 1932، بعد دولتين اسسهما اسلافه وزالتا لاسباب عقدية واقتصادية ايضا!
فالملك عبدالعزيز هو مؤسس الدولة السعودية الثالثة التي دامت سنوات اطول من الدولتين الاولى والثانية اللتين اسسهما اسلافه منذ التحالف بين الامام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي نشر المذهب الحنبلي فقامت عليه الدولة السعودية الاولى لحوالي 74 عاما، من العام 1744 حتى 1818.


وكذلك فان الدولة السعودية الثالثة التي تعيش اليوم وسط المربع المشروح اعلاه امتد عمرها حتى احتفالية اليوم اكثر من عمر الدولة السعودية الثانية التي اعاد انشاءها من الاولى الامام تركي بن عبدالله آل سعود في الرياض ودامت حوالي 67 عاما منذ العام 1824 حتى 1891 وكان آخر أمرائها الامام عبدالرحمن الفيصل آل سعود والد الملك عبدالعزيز.


واليوم يقود الدولة الثالثة الملك عبدالله بن عبدالعزيز نجل الملك المؤسس والذي ولد قبل اعلان الدولة الحالية ببضع سنوات خبيرا بسنوات عمرها واحداثها من تاريخ تعاقب الدول السعودية جيدا، فاللهم احفظ بلاد المسلمين من نوائب التاريخ.
&