لم تطرح قضية البدون بعمق والعونان يطرح انفلاتا لكل القيم الإنسانية

ليلى أحمد

على مسرح كيفان، تستكمل عروض المسرحية الكوميدية «الياخور» بعيد الاضحى المبارك، بطولة حسن البلام وجمال الردهان والنجمة العراقية ميس قمر، ومشاري البلام، عبدالعزيز النصار، محمد الرمضان، أحمد العونان، عبدالله المسلم وآخرين تأليف سامي العلي واخراج عبدالعزيز الصبر.


يستهل العرض على ديكور «ياخور» تطل على حوشة عدة غرف، على الجدار المقابل ثلاث صور للمهاتما غاندي، محرر بلاده الهند من الانجليز، ومانديلا قائد الاستقلال بجنوب افريقيا، وتشي غيفارا المناضل الكوبي الذي حارب الاستعمار، عظماء خالدون اثروا في تاريخ البشرية وقادوا بلدانهم لمستقبل أكثر اشراقا.
يتوسط الحوش عدة مقاعد، وأشجار نخيل وشجيرات صغيرة، وقفص حمام، يرافقه «مسمع صوتي» يلقي بجمال أخاذ شعر «زهيريات» حاضنا عميق شجنه، معبرا عن فكرة العرض، وطن تتقاذفه تيارات هنا وهناك «نامو بمردامك ثم ناموا بمردامي» هو تلخيص لفكرة «الياخور».

اغتراب

«الياخور» هو رمز واشارة لوطن مغترب، تعيش به العائلة، رمز للشعب الكويتي، ويريدون العيش بسلام، معبرين بعزلتهم عن مرحلة سياسية شديدة التوتر في البلاد، يمثله رب العائلة جمال الردهان الذي أخذ منذ عشر سنوات زوجته ميس واولاده الثلاثة حسن والنصار والمسلم، ليعتزلوا المدينة الصاخبة بالمشاكل، فهل تنجح العائلة في ان تنأى بنفسها عما يحدث من توترات سياسية واختلافات في الرؤى والتوجهات، أم انها ستطل برأسها هناك في وطن «الياخور» ويقحم الشعب بمشكلات وراءها دوافع شخصية لا وطنية.
بعض الخلل في النص لم يظهر ماذا تعمل العائلة، ما هو مصدر رزقهم وعيشهم، فرب البيت متقاعد، والاولاد لم يستكملوا دراستهم، فهل اعتزلوا العمل، وهم في سن العطاء ليعيشوا «عالة» على والدهم، ربما تكون هذه اشارة الى واقع «بطالة» الشباب في البلاد، وهو ما لم يتعرض له العرض، مع انها اشكالية اجتماعية كبيرة بمجتمعنا، كما ان هؤلاء الشباب لا توجهات وافكار واضحة المعالم لديهم، وكان من الافضل ان تكون محاور الشخصيات أكثر عمقا ووضوحا لتعبر عن جميع تطلعات ناس المجتمع.

لما ترجع

الأب البسيط في لغته واسلوبه «الردهان» رسالته واضحة، فهو لن يرجع للكويت الا بعد ان تنفذ مطالبه، منها مشاكل يخلقها بعض أعضاء مجلس الامة، وينجم عنه توتر ووقف حال البلد، ويتمنى ضبط البنية التحتية في البلاد، تخفيض الايجارات، القضاء على الفساد في كل مكان ومنهم الصحة، وقضايا هامشية اخرى.
ان اشكالية النص الكوميدي، ان لم تكن متوافرة في الكاتب، جعله يقحم قضايا سطحية كقول الاب «يبتكم الياخور حتى افككم من الحسد» و«الابن النصار يبيع الخمر» و«تهميش» قضية البدون من خلال العم «داهم» المهاجر لباريس حركة جسد الردهان وهو ينحني سجودا على الارض وهو يردد مطالبه الوطنية فيها انتكاسة، وصاحب المطالب المشروعة..لا ينحني، فلم ينهزم غاندي وغيفارا، ومانديلا.
كانت اضاءة المخرج عبدالعزيز الصبر «مريعة» كاشفة على الجمهور، فيما يجب ان تكون مقاعد الجمهور في حالة اظلام تام، ليتواصل مع العرض مبقيا على الحائط الرابع المسرحي.
فليس بكثرة البروجكتورات و«سبوت لايتز» وألوانها هي الاساس، انما توظيفها بما يخدم المشهد المسرحي، فيما كانت في الفصل الثاني اكثر توفيقا وموحية باجواء الليل، اسبغت جمالياتها على العرض.

انماط شخصية

ميزة عرض «الياخور» جمعه لأطياف المجتمع، فالفنانة ميس قمر عراقية متزوجة من كويتي، دخلت الى خشبة المسرح، بحيوية طاغية، وحضور لافت، نالت عليه تصفيق حاد.
وجود ميس أم الأولاد العراقية الجنسية، ذكي وهام جدا هدفه «تذويب» الاحقاد بين الشعبين بعد غزو شنه صدام على الكويت في تسعينيات القرن الماضي، هدف نبيل، هي «ايقونة» محبة بين الشعبين، وكانت مفارقات اللهجة بين الكويتي والعراقي فاصلا كوميديا وهو أمر جميل بحد ذاته.
يظهر العرض بتجلي رائع نظرة بعض الكويتيين المتدنية لغير الكويتي، كما يلمح الردهان ان والدته الحقيقية كما نعلم مصرية «شفيها المصرية» وهم أصبحوا عائلات لهم اولاد واحفاد، وجزء من هذا المجتمع.
جسد محمد رمضان دور البدوي الشهم وهو مكون أساسي بمجتمعنا.. جاء ليساعد جيرانه، وذكره الردهان حين أشار «هذول بدونا مو.. المندسين» ولم تكن لرمضان قضية في عزلته لمنطقة الجواخير، وكان نطق الرمضان للحوار سريعا، بحيث بدت الكثير من مخارج حروفه غير واضحة، الا انه كشكل واحساس وحركة أدى دوره بتميز واتقان وحيوية.

كاريزما

تجربة الفنان حسن البلام الطويلة جعلت له كاريزما خاصة، خبراته التلفزيونية والمسرحية عريضة، حضوره على خشبة المسرح حالة ألق وتجل، نال الكثير من التصفيق، ولم يهدأ لحظة على خشبة المسرح طولا وعرضا.
هو متمرد على اقامته في «الياخور» يشير الى عنصرية سائدة لدى البعض بمجتمعنا «الناس تنتقده لأنه ولد العراقية» وهو كشاب في مقتبل العمر يعاني من عزلة اجتماعية ونفسية فيقول «مليت من الياخور.. نبي نشوف بنات» حتى يلتقي ابنة عمه فوز ويقرر الزواج بها.
شكل البلام ثنائيا متفاهما وجميلا مع عبدالعزيز النصار، الذي ملأ مع البلام خشبة المسرح صخبا فبرزت موهبته الكوميدية، هو الذي حبس نفسه لسنوات طويلة في المسرح النوعي ممثلا ومخرجا، كما كانت مساحة دور عبدالله المسلم كبيرة، ولحضوره نكهة «تلفزيونية» أكثر منها مسرحية، ويحتاج الى الاهتمام بمخارج حروفه وحركة جسده، ليسمعها الحضور.. وهي ليست مشكلته انما مشكلة المخرج الذي «قصر» في تدريبه على اداء وحركة الممثل.

العم المغترب

جسد العونان دور العم «البدون» المهاجر لباريس منذ سنوات، وكل لغته اخطاء باللغة، فلم تطرح قضية «البدون» بعمق وحقيقة كما هي في الواقع، فتحولت الشخصية الى تسطيح هدفها انتزاع الضحك شاب أداءه الكثير من الضعف، فهو - يفترض- ان يكون بالغ الثراء، فيما أزياؤه بالغة البؤس، سلوكه وكلماته لا تناسب وضعه الطبقي، متعالٍ على شقيقه الكويتي، هو الذي من فئة «البدون» يعاير شقيقه الفقير، ولا يوافق على زواج ابنته من ابن عمها لان «أمهم عراقية» هو يعاني من اشكالية عميقة، كونه من غير محددي الجنسية، فكيف يهين المظلوم مظلوما مثله. كما ان سياق شخصيته غير متسق، تم حشوها بافتعال بكل شيء «أفرط» في التعبير عن انسلاخ اسرته عن الاخلاق.
لديه ابنتان فوزالشطي ومنى حسين، والبنات المدللات لم تكن شخصياتهن واضحة المعالم، وجدن فقط لـ«تلطيف الجو» ولالقاء التعليقات والافيهات عليهن.كما كان سامي مهاوش استنساخا لشخصية الفنان عبدالناصر درويش.. ولم ينجح.
الابن الوحيد للعم، هو الفنان الجميل مشاري البلام، جسد دوره بابداع كونه ولدا مدللا اعتاد على حياة الرفاهية، وكان لمشاري حضور كوميدي رائع، حركة جسده وتعبيره المعبر عن الشخصية، وتجسيده الشكلي بأزيائه الغير شكل، اضاف نكهة كوميدية مذهلة.

الفصل الثاني

بعد فرش الشخصيات في الفصل الاول، بدت مشاكل «الياخور» تتبلور في الفصل الثاني، حيث التقاطعات وكشف أكثر للشخصيات وأهدافها.
تنسلخ شخصية العونان، فهو يسمح لبناته بأن «يخرجن من البيت وتمشي احداهن وتتعشى مع الولد لمدة 48 ساعة».. وهذا طرح مخزٍ لإنسان عاش نصف حياته خارج البلاد، فكرة بها تشويه لصورة الآخر ان الغرب فالت اخلاقيا وهو فكر يحمل في جوهره..عاهة مروعة.
الاب الردهان يقول «عمك درس عياله بمدارس اجنبية من جذيه.. فالت» وهي اساءة بالغة للكثير من العائلات المحترمة الذين اختاروا الحاق ابنائهم بمدارس اجنبية للحصول على مستوى تعليم عال وفكر متعدد الثقافات، وكان على المؤلف انتقاد مناهج التعليم الحكومي البائس الذي يخرج «عاهات» من الأجيال التي تكره العلم، ولا طموح لديهم، وهو ما يشكله الابناء الثلاثة الذين تركوا التعليم ولا يعملون ليبقوا على جهلهم وعطالتهم.. وهم نتاج مناهج التعليم الحكومي التي تكرس للخرافة والجهل.

عابرات

بعض الافيهات والايحاءات متوافرة بسخاء في العرض «بما لا يليق بقضاياه الكبيرة»، فالعرض يشير الى «شوف مسلسلات رمضان الكتاب مو كويتيين واللي يمثلون مو كويتيين» و«تطنز على العم ان ما عنده جواز لانه.. بدون».
وحين تندمج ميس في التعبير عن هواجسها في مجتمع ينظر اليها كمغتربة ويعايرها كعراقية، «يخرب» العونان المشهد فيلقي افيها سخيفا «مضيعة البلنتي» فضجت القاعة بالضحك بدلا من تأمل حالة الاغتراب التي باحت بها ميس، افيهات تهمش قضايا اساسية لم تأخذ حقها بعمق.
يسحب حسن البلام الخيط ليقول «لي متى هذا بيسري وذاك اصيل، طاف على الغزو 24 سنة وغزتنا عقبها الطائفية اشفيها اللي امه عراقية او مصرية نص بنات البلد عوانس بسبب هالتفرقة».
&



&