جميل الذيابي

تكفير. تفجير. تدمير. جز رؤوس. أحزمة ناسفة. تفخيخ مؤخرات. تعذيب. اغتصاب. سبي نساء. مذابح. مجازر. قتل على الهوية... عناوين عريضة متداولة لما يقوم به «داعش» من تنفير وتشويه لصورة الدين الإسلامي على أيدي من يزعمون الانتماء إليه&

على مدار الفترة الماضية، فتحت «الحياة» صفحاتها بشكل يومي في متابعة للإرهاب الجوال في المنطقة، وموقف المجتمع الدولي من مواجهة جماعات العنف والتطرف، التي تعمل على نشر الفوضى والكراهية وإراقة دماء الأبرياء، إضافة إلى مقابلات مع عائلات بعض المنضمين إلى «داعش» و«القاعدة»، وما أفرزته البيئة السياسية في العراق وسورية تحديداً، ودور أميركا «المتناقض» تجاه ما يجري في الإقليم، إذ إن إدارة أوباما «المتذبذبة» هي التي جاءت بنوري المالكي الذي زرع بذور التوتر الطائفي بين العراقيين، كما تجاهلت الثورة السورية وحمام الدم الذي يرتكبه النظام المجرم في دمشق على مدى ثلاث سنوات، «غير عابئة» بانعكاسات ذلك على الأمن الإقليمي.

دق العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ناقوس الخطر، محذراً العالم من أنه إذا لم يتكاتف ويحارب الجماعات الإرهابية سيتحول إلى فوضى، وأن الإرهاب سيجول من منطقة لأخرى، وسيصل إلى أوروبا وأميركا خلال شهرين، ما يستدعي قيام تحالف دولي لتطويق خطر تلك الجماعات وشل حركتها، معتبراً ما يحدث أعمالاً إرهابية ومآسي إجرامية بكل التفاصيل والأبعاد والنتائج، تسيء للإسلام وللمسلمين.

كيف يمكن تفسير وجود عدد من السعوديين في صفوف الخلايا الإرهابية، حتى باتوا قاسماً مشتركاً ووقوداً حاضراً للعمليات الإرهابية؟ شبان سعوديون في مقتبل العمر يرمون بأنفسهم حطباً للأزمات. من يقف وراء استدراجهم ويحرّضهم ويفتيهم بالذهاب لدول الاضطراب؟

للأسف، لا تزال الجماعات الإرهابية قادرة على التغلغل وسط الشبان السعوديين والتأثير فيهم وتجنيدهم، على رغم «دموية» السنوات الماضية والراهنة. جلّ هؤلاء السعوديين من صغار السن، وتتوزّع أنشطتهم على خلايا نائمة في الداخل، تنتظر فرصة الانقضاض على أهلها وأرضها، وخلايا نشطة في الخارج تكفّر وتفجّر وتبث الفتنة، وتروّع الناس بأحزمة ناسفة.

لا شك في أن أصحاب أجندات خبيثة، سواء أكانت دولاً أم أفراداً، تمكّنوا من استغلالهم وتجنيدهم لتنفيذ أعمال إرهابية تسيء لبلادهم ولدينهم! ولا يمكن إنكار ما قامت به السعودية من تعاون دولي وجهود ضخمة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، حينما ثبت تورط 15 شاباً سعودياً، وحربها الجادة على الإرهاب، بهدف حماية شبابها من اعتناق أفكار العنف والتطرف، وبذلها محاولات حثيثة لإعادة تأهيل «المغرر بهم»، كما تسميهم، بغية إصلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع، لكنها بقدر ما نجحت لم توفق، لكون المجندين والمحرضين والمبررين والمتعاطفين لا يزالون يسرحون ويمرحون!

أليس محيراً بعد كل هذا الجهد الكبير والتوعية المستمرة أن نسمع عن مخططات تخريبية تُحبط، وأموال ضخمة تُضبط، وشبان سعوديين يُجنّدون؟ من يوفّر لهؤلاء الدعم والممر الآمن؟ من يتبرع لهم؟ ومن يفتي لهم؟ أليس مؤلماً أن يكون السعوديون من أكثرية المنتمين إلى خلايا إرهابية في الخارج، في أفغانستان، وباكستان، والشيشان ثم اليمن، والعراق، وسورية، ودورهم هو السعي للقتل ونشر الفوضى وترويع الآمنين؟

أليس مؤسفاً أن بيننا بعد كل هذه السنوات «الصعبة» من لا يزال يصمت عن سلوكيات وممارسات هؤلاء الإرهابيين؟ وبيننا من يموّلهم بقصد أو من دون قصد، ومن يتعاطف معهم، ويبث سمومهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؟ أليس غريباً أن تتحوّل نساء «ناعمات» إلى «إرهابيات» وبِمُعِّرفات «إجرامية»، تحض كلها على القتل والعنف، وتجنّد للإرهاب، وتروّج لأفكار قياداته؟

من الخطأ الصمت أو المجاملة أو التبرير لتورط مواطن سعودي في أعمال إرهابية، بعد أن ارتضى هذا الطريق الإجرامي، خصوصاً وهو يقرأ موقف الدين والدولة والمجتمع الشاجب والُمحرِّم لتلك الأعمال.

حقائق كثيرة «مجلجلة» تكشف أن بعض الشبان السعوديين لا يزالون يُساقون كالبهائم في حروب ليست لهم، ما يستوجب استئصال كل من أصيب بهذا المرض الخبيث بسرعة، مع ضرورة أن تعمل الدولة على تغيير بعض «المصطلحات الناعمة»، التي يتم التعامل بها مع تلك العناصر المجرمة.

كما يجب على الجميع رفع الصوت لرفض هؤلاء «الضالين»، بعد أن أخضعوا لبرامج المناصحة والمصالحة مع مجتمعهم، ولكنهم كانوا يتلوون ويراوغون ويتذاكون، حتى خرجوا، ثم ما لبثوا أن عادوا إلى جحورهم وكهوفهم «الخربة»، بعد أن تشربت عقولهم وأفكارهم وأجسادهم بـ«مص الدماء»، ما يستلزم القصاص العاجل، لا الآجل، منهم، بعد أن فشلت مناصحتهم، وفشلت المعالجات الفكرية معهم.

وعلى الدولة لجم ومحاسبة «المفتين» والمبررين والمحرضين والمتعاطفين والمتخاذلين عن شجب واستنكار وإدانة ما تقوم به تلك الجماعات الإرهابية، لكسر شوكة «القاعدة» و«داعش» ومن مثلهما.

المهمة وطنية خالصة لحماية البلاد والعباد من شرور هؤلاء الإرهابيين، وتخليص الناس من سموم أفكارهم، ولا بد من إعلان تحرك كل مؤسسات الدولة، الحكومية والأهلية، لنبذ ومحاسبة كل ساع إلى نشر الفوضى والقتل والعنف والخراب، وكشف كل من يسوّق لمنهج التكفير والتفجير والتدمير.

الأكيد أن «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، نبتات شيطانية تلعب أدواراً إرهابية إجرامية تشوّه الإنسان والدين. ولقطع رأس الأفعى لا بد من محاسبة المحرضين، وإبعاد المؤدلجين الذين يهيمنون على المنابر الدينية والتعليمية، ويبثون السموم في عقول الناشئة، وتجفيف منابع تمويل تلك التنظيمات الإرهابية، وكشف المبِّررين لها. فلا قيمة لأي عمل يستهدف القضاء على الإرهاب من دون إغلاق مصادر تمويله المعلنة والمستترة، وفضح المروجين له، والمتعاطفين معه.
&