&سركيس نعوم
&

&الأسئلة التي يطرحها المسؤولون اللبنانيّون المدنيّون والعسكريّون اليوم هي: ما هو هدف "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" الذي تشكَّل أخيراً بقيادة أميركا؟ هل هو تدمير تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" والمنظمات المشابهة لهما؟ أم هو احتواء هذه التنظيمات ومنعها من التمدُّد، واستعمالها لترتيب الأوضاع في المنطقة على نحو يخدم مصالح المجتمع الدولي وزعيمته أميركا وحلفاءها؟


هل من أجوبة عن هذه الأسئلة؟ قبل محاولة البحث عن أجوبة لا بد من الإشارة الى الأسباب التي دفعت هؤلاء المسؤولين إلى طرح الأسئلة المذكورة. وأبرزها ضعف ثقة "لبنان" بوجود التزام أميركي ثابت لمساعدته كي لا يقع في الحروب. ومنها أيضاً تعاطي أميركا مع ربيع سوريا ثم ثورتها فحربها بكثير من اللامبالاة رغم علمها بأثرها السلبي على لبنان وعلى الأردن وحتى على اسرائيل وغيرها. ومنها ثالثاً، تمسّك الادارة الحاكمة برئاسة باراك أوباما برفض "التورُّط" العسكري البرّي في الشرق الأوسط أياً تكن المبررات. ومنها أخيراً الاقتناع بأن ما يحرّك أميركا والدول الكبرى هو المصالح فقط، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحرب المتوسِّعة في المنطقة تحقّق لها مصالحها الحيوية والاستراتيجية. وفي هذا المجال يخبر أحد المسؤولين في جلسة خاصة زائراً له "قصة" حصلت بين المؤسسة العسكرية والديبلوماسية الأميركية في لبنان قبل سنة أو أكثر، ويقول إن هدفه من ذلك هو الدعوة الى الاحتياط والحذر والتحفّظ والاقلاع عن الثقة المفرطة وإن بدولة صديقة ومن زمان تلافياً للوقوع في المحظور. ملخّص "الخبرية" أن العسكريين الأميركيين الكبار يزورون قائد الجيش كلما مروا بلبنان وإن لمباحثات أو موضوعات لا تتعلّق به أو بمؤسسته مباشرة. وقد احتُرِمت هذه القاعدة دائماً تقريباً. لكن في إحدى المرات علم القائد العماد جان قهوجي بوصول ضابطين إلى سفارة الولايات المتحدة في عوكر. لكنهما لم يزوراه، كما أنهما لم يقوما بنشاط رسمي كالمعتاد. لم يسكت على الأمر. بل أثاره في أثناء قيام السفيرة الأميركية السابقة في بيروت مورا كونيللي بزيارته في وزارة الدفاع فسألها عن الضابطيْن وعن مهمتهما. لم تجب مباشرة ولكن خلال الحديث ألمحت الى أنهما أتيا لدرس عملية إجلاء العاملين في السفارة من المواطنين الأميركيين في حال استوجب ذلك تطور الأوضاع في لبنان سلباً. طبعاً "نرفز" الجنرال ضمناً لكنه رد بـ"خبرية" تناولت والده الذي كان رتيباً في الجيش. قال: "كنت أنظر اليه كوالد وكعضو في المؤسَّسة العسكرية بكثير من الاحترام. وفي أحد أحاديثي معه قال لي: يا ابني لا تضع يدك في يد اميركا أبداً.

أو إبقَ حريصاً عندما تضعها. فهي تتركك من دون إعلامك بعكس الاتحاد السوفياتي، وكان في حينه لا يزال قائماً".
أما في ما يتعلّق بالأجوبة عن الأسئلة الثلاثة المطروحة في مطلع "الموقف" فإن الخبراء في العمل العسكري عموماً، كما متابعي الأوضاع في الشرق الأوسط وتعاطي أميركا معها، يلفتون الى أن العمل العسكري الرامي إلى الانتصار التام على العدو لا يقتصر على الإغارة الجوية، وإن مكثّفة ومدمِّرة، وإن بمشاركة طائرات حربية من عشرات الدول. فالحرب الجويّة تكون عادة تمهيداً لحرب برّية ناجحة وذلك بضرب سلاح الجو المعادي بطائراته وبوسائل دفاعه وراداراته واتصالاته ومرابضه الصاروخية والمدفعية وآلياته. ومن شأن ذلك جعل الحرب البرية أقل كلفة. وما تم الاتفاق عليه بين أعضاء "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب" هو حتى الآن أمران: الأول، شنّ حرب جوية على تنظيم "داعش" في العراق وسوريا وأيضاً على "جبهة النصرة" والتنظيمات الأخرى المشابهة. والثاني، تدريب العناصر المعتدلة في المعارضة السورية التي تضمّ "الجيش السوري الحرّ" أو ما تبقّى منه وتنظيمات أخرى بعضها "مُسلِم مدني" وبعضها إسلامي مقبول لكي تتولّى هي لاحقاً محاربة "داعش" و"النصرة" والآخرين على الأرض قبل أن تتابع حربها على نظام الأسد، الذي كان هدف كل المعارضين والثوار في البداية إسقاطه وبناء سوريا جديدة.
والأمران يعنيان وفي وضوح أن حسم الأمور مع التنظيمات التكفيرية العنفيّة الإرهابية يتطلّب وقتاً. وهذا ما قاله في أي حال الرئيس أوباما عندما حدّد مهلة انتهاء الحرب بثلاث سنوات. كما يعنيان أن تدميرها لا يزال بعيداً، وقد لا يكون في الاستراتيجيا الآن، وأن الاحتواء وإن موقتاً قد يكون أحد الخيارات الممكنة.


لماذا الاحتواء؟ وكيف يكون التدمير؟
&