الياس الديري
&

كل موقف أو قرار يتّخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما حول قضايا الشرق الأوسط القديم، أو الجديد المنهار، يُظهر حجم المسافة وفداحة عدم المعرفة بهذا الشرق وشعوبه، وتركيبته.

وقد سبقه إلى هذه "الأفضال" سلَفه الرئيس جورج دبليو بوش الذي ما أرسل جيشاً إلى بلد، وخصوصاً العراق، إلا وكانت النهاية مكلّلة بالظفر والفرار "الكيفي".
ولا يختلف أوباما في هذا الصدد عن الرئيس رونالد ريغان الذي أوفد إلى مسيحيّي لبنان خريف العام 1976 المستر دين براون ليقنعهم بـ"حل الهجرة الجماعيّة" إلى دول ثلاث: أميركا، أوستراليا، كندا... مع مبلغ من المال وتسهيلات جاهزة تنتظرهم في البواخر الراسية قبالة الشاطئ اللبناني.
الرئيس ريغان بدوره أرسل جيشاً عرمرمياً إلى لبنان تواكبه البارجة "نيوجيرزي" المدجّجة، بدورها، بالقنابل الفراغيّة.
أسابيع معدودة، وإذا بجيوش ريغان تجرجر أذيال الفرار في ليلة لا قمر فيها ولا حتى أنجم، وبرفقتها "نيوجيرزي" التي فرّغت قذيفتين هوائيتين صوب جبل المتن الأعلى...
إذاً، ليس جديداً على البيت الأبيض والإدارة الأميركيّة ارتجال الحروب، وارتكاب أخطاء التسرّع القاتلة، والوقوع في حفر الاستخبارات التي طالما أساءت التقدير، وتسرّعت في التفسير، وندمت على التقرير.
وهذا ما وقع فيه الرئيس أوباما، بكل وقاره الجامعي، وهدوئه، وولعِه بإشباع أي نصّ خطّي درساً وتمحيصاً.
في ضوء ذلك كله، لم يعد مستغرباً أن يستبق أوباما التطوّرات والأحداث والنتائج، ويُعلن منذ الآن أنه جاهد مع الائتلاف الدولي الجهاد الحَسن ضدّ جهاديّي "داعش".
وليس مفاجئاً أبداً بتاتاً أن يقرّ بكل جدّية "أن الاستخبارات الأميركيّة أساءت تقدير قوة الجهاديّين في سوريا، وقلّلت شأن ما يحصل في سوريا، وبالغَت في تقدير قوّة الجيش العراقي في تصدّيه للجماعات المتشدّدة، ولم تتوقّع انهيار قوّات الأمن العراقيّة في الشمال" بهذه السرعة وبكل ما لديها من أسلحة.
هذه الرزمة من الأخطاء الجسيمة محصورة في الزوايا العراقيّة السوريّة حتى الآن. فمَن يدري حجم "المخبّأ" من الأخطاء في مجالات أخرى كاليمين مثلا؟ ومَنْ يضمن أن قرار "الحرب الجويّة" لن يكون محشوّاً بدوره بسوء التقدير والتدبير معاً؟
يبدو أن أوباما ماضٍ في قراراته المبنية على سوء التقدير، وليَكن ما يكون. بل يعتقد أنه "ينبغي دفعهم إلى التقهقر، وتقليص مساحتهم، وملاحقة قادتهم حتى مراكزهم، وقطع مصادر تمويلهم، ووضع حدّ لتدفّق المقاتلين الأجانب".
هل سيتمّ تحقيق هذه الأهداف عبْر الأثير والقصف الجوّي؟ أم أن وراء الأكمة قراراً ما بالنزول إلى الساحة... وارتكاب المزيد من أخطاء سوء التقدير؟ وفوق هذا وذاك، يدعو إلى الحلّ السياسي في سوريا والعراق بكل جديّة...
&