علي سعد الموسى

يمشي الهوينا "حافي القدمين" ثم يركب سيارة متهالكة من العقد الثمانيني مزمجراً ومتوعداً "الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل". هذه الصور وحدها تمثل قمة مأساة العقل العربي. العرب اليوم ليسوا إلا حشوداً من العقل والزمن الصخري الحجري في مواجهة جيوش "النانو تكنولوجي". عقل غائر في قاع التخلف والبدائية حتى للدرجة التي يظن معها بثقة أن المعارك مازالت تبدأ بمبارزة ميدانية بين الصفين، يتقدم إليها بالسيف حسن الصعدي وتشاك هيجل، وزير الدفاع الأميركي. نسي "حافي القدمين" الذي يدعو بالموت لإسرائيل وأميركا أن تكلفة الأبحاث العلمية من أجل تقنية خوذة الجندي الأميركي ولباسه الواقي على صدره تفوق تكلفة عشاء فاخر لكل أهالي قرية "حوث" اليمنية في عقد كامل مكتمل من الزمن. لا يعرف "حافي القدمين" حين يدعو بالموت لأميركا وإسرائيل، أن الجندي الأميركي يضغط على بضعة أزرار إلكترونية من جزيرة "دي جارسيا" أو الحاملة الحبلى "إيزنهاور" ليصطادنا وهو يشرب الشاي ويدخن السيجار الفاخر، لاهياً راقصاً دون أن يدرك ما الذي فعلته إصبعه الصغرى على أجسادنا حين نسي ما فعله الزرار الإلكتروني وما توصل إليه من نتائج.


هذا هو "حافي القدمين" الذي، حينما اجتاح صنعاء "مدينة المدائن العربية"، توزع هؤلاء الحفاة لنهب وسرقة كل المفاصل الجوهرية للمدينة. هم "حفاة الأقدام" الذين شاهدناهم بالآلاف، وكل يحمل على ظهره مروحة أو كنبة أو جهاز تلفزيون أو حتى "دش" استحمام أو فرشة صالون رديئة، ثم يركبون سيارات العقد الثمانيني: الموت لأميركا والموت لإسرائيل.


هذه الصور البشعة من السرق والنهب الرخيص لا تفسير لها سوى مأساة العقل العربي، وأين؟ في عاصمة اليمان والحكمة. هؤلاء الذين ينادون بـ(الموت لإسرائيل) أصغر من الجهل نفسه حتى يدركوا أن هذا العدو الصهيوني الغادر قد قتل من أبناء غزة 2362 نفساً مقابل تهمة كاذبة بقتل ثلاثة مستوطنين، وأن هذا القطاع يحتاج اليوم لسبعة مليارات دولار لإصلاح فاتورة الغزو مقابل 300 ألف دولار فقط من خسائر صواريخ "التنك" على القرى الصهيونية. مع هذا مازال هذا العقل العربي مؤمناً أن "غزة تنتصر" وأن "أميركا وإسرائيل" في طريق الموت، تحت زمجرة حفاة القدمين.