جاسم بودي

فجأة، وبعدما فرغت الجعبة، تفتقت «عبقريات» بعضهم وقرروا أن جاسم الخرافي يشارك في مؤامرة لقلب نظام الحكم... جاسم بن محمد عبد المحسن الخرافي «يتآمر لقلب نظام الحكم في الكويت»؟

وأنا، القريب عائلياً وشخصياً وانسانياً من جاسم الخرافي، أشهد أيضا أنه يريد قلب نظام الحكم وأدلي بإفادتي كالآتي:

عندما قرر العمل في الشأن العام تقلب في مواقفه الرياضية والسياسية حسب متطلبات المرحلة، ساير الإسلاميين عندما دعت الضرورة ثم الليبراليين ثم القبائل ثم الشيعة والسنة والحضر. المهم بمجرد أن يصل الى المنصب ينقلب على من أوصله... ومن هنا بدأت عقدة الانقلاب.

وعندما لم ينجح في الوصول الى المنصب سارع الى تشكيل كتلة مضادة وبدأ بتحريك الشارع على اساس إما الكرسي وإما هو، واستعان لذلك بأحزاب وتيارات رفعت سقف التصعيد السياسي حتى لو تطلب الامر هز الاستقرار السياسي.

ولانه لا يحب النظام بدأ ينسج خيوطاً مع مشايخ واقطاب في الاسرة ويتحالف معهم، فهذا الشيخ لديه مخطط للوصول الى السلطة فلا بأس من السير تحت عباءته للحصول على شعبية داخل قبيلته او منطقته، وذاك الشيخ يريد تصفية حسابات مع شيخ آخر فلا بأس من ان يكون أداة لعملية التصفية مقابل وعود بمزايا سياسية وانتخابية.

ولان «غيره» التزم القانون والدستور ولم يحد عن هذا المبدأ مهما حصل، اقتحم الخرافي وانصاره وحلفاؤه من نواب وشخصيات وشباب مبنى مجلس الامة امام عدسات التلفزيون التي رصدت بالصوت والصورة كيف كان يضرب الابواب ثم ينظر سعيداً الى المقتحمين وهم يرقصون فوق الطاولات ويدوسون بأقدامهم وثائق التشريع تحت القبة.

وعندما لجأت السلطة الى تطبيق القانون ولم تخضع للتهديدات (رغم مسايرتها للمهددين في بعض المواقف) الا ان الخرافي وسع نطاق التظاهرات ونشر ملثمين في الشوارع خصوصا على الدائري الخامس حيث قام هؤلاء بتوقيف السيارات والاعتداء على المارة وهذا كله موثق بالصوت والصورة.

وعندما وافقت وزارة الداخلية للخرافي على ترخيص التظاهرات والمسيرات لم يعجبه الامر لانه مر بلا صدامات ودماء مع القوى الامنية الامر الذي لا يشحن الشباب ولا يوتر المشهد السياسي ولا يزعزع الاستقرار. نقل الخرافي نطاق التظاهرات الى المناطق الداخلية التي تحولت مسارح قتال شوارع، ووجه التظاهرات أيضاً الى السجن المركزي للاشتباك مع القوات الخاصة.

وعندما قيل له ان ما يقوم به خارج نطاق الدستور وغير مألوف في القيم الكويتية، وقف في الساحات وخاطب صاحب السمو بما لا يليق وبخطاب مدروس ومكتوب بحبر الفتنة، وصار يزود المتظاهرين بشعارات تتضمن عبارات أكثر سوءاً من التي وردت في خطابه.

وعندما قيل له ان المنطقة تغلي وان المرحلة تقتضي الاعتصام بحبل الوحدة حتى في اطار الاختلاف او المعارضة، رفض الخرافي ولعب على العصبيات الطائفية والقبائلية والمذهبية وصار انصاره يتبارون في اطلاق الاتهامات على الهواء.

وعندما قال احد الشيوخ علنا في التلفزيون انه خسر منصبه نتيجة مؤامرة حكومية - نيابية وتبجح بانه قام بما معناه تحريك الشارع لإسقاط الحكومة والمجلس مستخدماً وسائطه الالكترونية وأدواته السياسية ومستفيدا من مناصب امنية وغير امنية تقلدها اخوانه، تحالف معه الخرافي اكثر بل لعب دور الاداة في فبركة مسرحيات التجسس والتسجيل وتركيب الكلمات المسيئة للنظام.

وعندما كان القضاء الكويتي يحكم لمصلحته كان «قضاء نزيهاً وشامخاً»، وعندما حكم لغير مصلحته انبرى الخرافي ورفاقه الى الهجوم على القضاء بلا توقف طاعنين فيه وبأحكامه بل بسلطته.

أما آخر المؤشرات فكانت اطلاقه جملة من الاتهامات المالية والسياسية (واهمها التعامل مع اسرائيل) وعرض وثائق مزورة بأسلوب يثير الحزن ويبعث على الأسى على الحال التي وصل اليها. أكملها بعد فترة باقتحامه مع عناصره الشوارع والاسواق في رمضان مروعا المدنيين.

هل هناك أدنى شك بعد هذا العرض في ان جاسم الخرافي يعمل لقلب نظام الحكم؟

ما جاء سابقا ليس سخرية سوداء فحسب بل من سخريات القدر التي اوصلت الى هذه المرحلة.

هل تعرفون ما مشكلة هذا الرجل؟ جاسم الخرافي ليس ملاكا او منزها عن الخطأ، لكن مشكلته انه كان عكس كل ما عرضناه.

مشكلته انه كان في طليعة المواجهين بالدستور والقانون لكل ما شهدته الكويت من فوضى في الفترة الماضية.

مشكلته انه كان الاكثر اندفاعا في ترسيخ استقرار النظام وتطويره. يربح بتواضع ويخسر برحابة صدر. لم يصدر منه في كل مسيرته السياسية أي موقف انقسامي أو مذهبي أو طائفي أو قبائلي أو مناطقي. لم يخرج يوما عن نطاق الدستور طالما هو تحت القسم. لم يدخل في لعبة المحاور داخل الاسرة او داخل السلطة. لعب الدور الريادي بعد غياب المغفور له الشيخ جابر الاحمد وكان موقفه تاريخيا وهو يحكم الدستور في ما كان يمكن ان يتحول ازمة حكم.

مشكلة الخرافي اليوم أنه لجأ الى مؤسسات النظام القضائية عندما أراد بعضهم ضرب مؤسسات النظام.

مشكلته أنه يشبه الكويت التي زرعها في وجدانه والده الراحل.

مشكلته أنه أكثر ولاء واحتراماً وتمسكاً بالنظام من بعض أبناء النظام... كي لا نقول أكثر.
&