تركي الدخيل

يدرك اللبنانيون أن بلدهم ليس ميداناً ذا بعد واحد، بل تحكمه الصراعات والأبعاد الدولية والداخلية، ولهذا نجد أول ما تبرز ظاهرةً من الظواهر تنبجس وتتشكل وتبدو بإشاراتها في لبنان، منذ «القاعدة» في نهر البارد وحتى «داعش» في عرسال، كلها امتداد للشرر الذي يبدو أول ما يبدو في لبنان.

ويذكر الراحل الفيلسوف عبدالرحمن بدوي أنه وإبّان إقامته في لبنان كان يجلس مع رموز الطوائف أحياناً وكل منهم يهجو الآخر اتكاءً على المرجع الدولي الذي يرجع إليه لا على المشروع المحدد أو البرنامج الانتخابي المطروح، أو الجدول التنموي.

&


كل الصراعات تدور في فلك اختلاف المشاريع والصراع بين بعضها بعضاً، ما يؤخر ويعثر كل خطوة يهم بها لبنان، والإشارة تأتي من الخارج في كثير من الأحيان.

بيد أن الصراع على المشاريع ليس جديداً ولن ينتهي، ذلك أنه بات جزءاً من وضع لبنان وواقعه، ومع أن الشباب والفتيات ما لبثوا يقومون بالمظاهرات المستمرة والمسيرات المدنية، مطالبين بالعلمانية وإنهاء النظام الطائفي، فإن النفوذ دائماً يكون لمصلحة الزعامات.

ولا يلام الفيلسوف الفرنسي إدغار موران حين تحدث عن مجتمعات تنتخب من هم «جزءاً» من أزماتها ويضرب مثلاً بلبنان، ذلك أن مثل هذه المجتمعات تنتخب رموز الحروب الأهلية وأربابها، ولعل ذلك ما يجعل سياسياً حصيفاً مثل وليد جنبلاط ينتقد نفسه، وينتقد زملاءه السياسيين متحدثاً عن ضرورة أن يجد المجتمع اللبناني نموذجه ضمن طموحات الشباب وخارج المتورطين بالحروب الأهلية من ديناصورات السياسية.

وللأمانة، فإن جنبلاط من أكثر الساسة وعياً بضرورة العلمانية، وإلغاء النظام الطائفي، لكنه بنفس الوقت يعلم أن هذا يعني تغيير الديموغرافية اللبنانية، وبالتالي الدخول بصراعات المحاصصة من جديد، الأمر الذي يمكن من خلاله نشوب حرب أهلية جديدة!

العلمانية أساسها إلغاء الفوارق بين بني البشر، ذلك أن التمييز يكون فقط في مكان العبادة أو البيت، ولهذا ألغت فرنسا العلامات الدينية والإشارات الإثنية، ومن يريد أن يتباهى بالإشارات يذهب إلى مكان عبادته، لئلا يكون هناك «صراع رمزي» في الشارع بين أصحاب الوطن الواحد، ولكيلا يكون الانتماء الطائفي والمذهبي والديني مجالا للتحاسد والتباغض، وليكون معيار التفوق هو الالتزام الأخلاقي والقانوني والإنجاز القومي على أرض الواقع بعيداً عن التمييز والإشارات والعلامات.

وهذا بظنّي أنه لو طبق بلبنان في الستينيات لتجاوز أخطار الحرب الأهلية، ويبدو أن العلمانية «فات أوانها» بلبنان ذلك أن الطائفية هي «سيستم» الحالة اللبنانية من رأسها إلى أساسها.

والأكيد أن الصراع على الهوية أخطر من الصراع بين المشاريع، ذلك أن الهويات القاتلة، كما يعبر أمين معلوف، تضرب العصب الاجتماعي، وهي أخطر من صراعات المشاريع الوهمية بين ساسة مراجعهم في الخارج والشيفرات التي يتلقونها هي التي تحكمهم، فالكثير من المدنية والهوية الجامعة، والقليل من الانتماء الطائفي والمذهبي والهوياتي القاتل.
&

يدرك اللبنانيون أن بلدهم ليس ميداناً ذا بعد واحد، بل تحكمه الصراعات والأبعاد الدولية والداخلية، ولهذا نجد أول ما تبرز ظاهرةً من الظواهر تنبجس وتتشكل وتبدو بإشاراتها في لبنان، منذ «القاعدة» في نهر البارد وحتى «داعش» في عرسال، كلها امتداد للشرر الذي يبدو أول ما يبدو في لبنان.

ويذكر الراحل الفيلسوف عبدالرحمن بدوي أنه وإبّان إقامته في لبنان كان يجلس مع رموز الطوائف أحياناً وكل منهم يهجو الآخر اتكاءً على المرجع الدولي الذي يرجع إليه لا على المشروع المحدد أو البرنامج الانتخابي المطروح، أو الجدول التنموي.


كل الصراعات تدور في فلك اختلاف المشاريع والصراع بين بعضها بعضاً، ما يؤخر ويعثر كل خطوة يهم بها لبنان، والإشارة تأتي من الخارج في كثير من الأحيان.

بيد أن الصراع على المشاريع ليس جديداً ولن ينتهي، ذلك أنه بات جزءاً من وضع لبنان وواقعه، ومع أن الشباب والفتيات ما لبثوا يقومون بالمظاهرات المستمرة والمسيرات المدنية، مطالبين بالعلمانية وإنهاء النظام الطائفي، فإن النفوذ دائماً يكون لمصلحة الزعامات.

ولا يلام الفيلسوف الفرنسي إدغار موران حين تحدث عن مجتمعات تنتخب من هم «جزءاً» من أزماتها ويضرب مثلاً بلبنان، ذلك أن مثل هذه المجتمعات تنتخب رموز الحروب الأهلية وأربابها، ولعل ذلك ما يجعل سياسياً حصيفاً مثل وليد جنبلاط ينتقد نفسه، وينتقد زملاءه السياسيين متحدثاً عن ضرورة أن يجد المجتمع اللبناني نموذجه ضمن طموحات الشباب وخارج المتورطين بالحروب الأهلية من ديناصورات السياسية.

وللأمانة، فإن جنبلاط من أكثر الساسة وعياً بضرورة العلمانية، وإلغاء النظام الطائفي، لكنه بنفس الوقت يعلم أن هذا يعني تغيير الديموغرافية اللبنانية، وبالتالي الدخول بصراعات المحاصصة من جديد، الأمر الذي يمكن من خلاله نشوب حرب أهلية جديدة!

العلمانية أساسها إلغاء الفوارق بين بني البشر، ذلك أن التمييز يكون فقط في مكان العبادة أو البيت، ولهذا ألغت فرنسا العلامات الدينية والإشارات الإثنية، ومن يريد أن يتباهى بالإشارات يذهب إلى مكان عبادته، لئلا يكون هناك «صراع رمزي» في الشارع بين أصحاب الوطن الواحد، ولكيلا يكون الانتماء الطائفي والمذهبي والديني مجالا للتحاسد والتباغض، وليكون معيار التفوق هو الالتزام الأخلاقي والقانوني والإنجاز القومي على أرض الواقع بعيداً عن التمييز والإشارات والعلامات.

وهذا بظنّي أنه لو طبق بلبنان في الستينيات لتجاوز أخطار الحرب الأهلية، ويبدو أن العلمانية «فات أوانها» بلبنان ذلك أن الطائفية هي «سيستم» الحالة اللبنانية من رأسها إلى أساسها.

والأكيد أن الصراع على الهوية أخطر من الصراع بين المشاريع، ذلك أن الهويات القاتلة، كما يعبر أمين معلوف، تضرب العصب الاجتماعي، وهي أخطر من صراعات المشاريع الوهمية بين ساسة مراجعهم في الخارج والشيفرات التي يتلقونها هي التي تحكمهم، فالكثير من المدنية والهوية الجامعة، والقليل من الانتماء الطائفي والمذهبي والهوياتي القاتل.
&