محمد خروب

&

&
لم يتردد المتحدث باسم البيت الابيض الاميركي جوش ايرنست، في زج بلاده في الشأن الصيني الداخلي، انطلاقاً بالطبع من قناعة اميركية راسخة، بأن لبلاده الحق في التدخل في أي بقعة واي دولة في العالم، كونها حامية مُثل الديمقراطية وقيمها وكونها منارة اشعاع حضاري وفي الاساس لأنها تتوفر على قوة عسكرية ضخمة ذات تكنولوجية حديثة غير مسبوقة تستطيع بموجبها ان تُخْرس اي مُعترض.
واشنطن استغلت ما يحدث في هونغ كونغ الصينية، جغرافيّاً وتاريخياً، وقيام انصار حركة تحمل اسم (إكيوباي سنترال) اي احتلوا مركز المدينة لتدس انفها في شأن صيني داخلي محض ولتقول: انها تؤيد تطلعات شعب هونغ كونغ.


لم يطلب احد «تأييدها» حتى لو كان في الحركة الاحتجاجية من هو متأمرك او معارض حتى للحكومة المركزية في بيجين، ما بالك ان الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين الادارة الاستعمارية البريطانية لهونغ كونغ والحكومة الصينية، والتي استعادت بموجبها بيجين اراضيها المحتلة في العام 1997، لم تنص ان هناك شعباً اسمه شعب هونغ كونغ، كون الفرع عاد الى الأصل (تذكر واشنطن فيتنام التي قسّمتها ودمرتها ثم ها هي دولة واحدة)، وبالتالي فليس ثمة «شيء» اسمه شعب هونغ كونغ، اللهم الاّ اذا كان القصد (وهو كذلك) اللعب على التناقضات، وتأجيج الاعتراضات وربما تعميمها لتطال «البر» الصيني الشاسع، على نحو يأمل الامبرياليون الغربيون استعادة اجواء ومناخات ميدان (تيان آن مين) في 4 حزيران 1989، والتي تماثلت – حدود التماهي – مع الثورات الديمقراطية (..) التي حدثت في جمهوريات الاتحاد السوفياتي قبل تفككه، فكانت سبباً في انهياره وانتهاء الحرب الباردة لصالح الرأسمالية المتوحشة، التي ظنت ان «حركة» التاريخ قد انتهت، وان لا مستقبل للبشرية الا في ظل الرأسمالية.
هونغ كونغ التي استعمرتها بريطانيا بعد الحرب المسماة حرب الأفيون (1839-1842) وبقيت تحت سيطرتها، قبل ان تحتلها اليابان في الحرب العالمية الثانية لمدة اربع سنوات، الى ان «استعادتها» بريطانيا، بعد ذلك وحتى العام 1997، هي ذات حكم ذاتي في اطار المصطلح الذي تم صكّه بين بيجين ولندن «بلد واحد ونظامان مختلفان»، ما يعني ان حكومة بيجين تسمح للمستعمرة البريطانية السابقة بادارة نفسها باستثناء، انشاء علاقات دبلوماسية خارجية، اضافة بالطبع الى الشأن العسكري اللذين هما من اختصاص بيجين.


يصعب اذاً والحال كذلك, قبول هذا التدخل الاميركي الفظ الذي يثير حفيظة بيجين، والتي تتخوف، وعن حق، من احتمالات خروج التظاهرات التي باتت توصف بـ (ثورة المظلات)، كون اغلبية المشاركين فيها يحملون مظلات تقيهم حرارة الشمس اللاهبة في تلك المدينة الساحلية, وبالتالي فهي (سلطات بيجين) سارعت وعبر وزارة خارجيتها الى تأكيد «دعمها» لسلطة هونغ كونغ في مواجهة التظاهرات «غير المشروعة».. والرسالة واضحة وحازمة، ونحسب أنها موجهة الى الخارج «الغربي» على الخصوص, بعد أن رفعت واشنطن ولندن عقيرتيهما وجلستا على منصة الواعظين وراحت احداهما (لندن) تدّعي الحكمة، لتدعو الى اجراء «محادثات بناءة» بين سلطات المدينة والمتظاهرين, فيما ابقت الثانية (واشنطن) على صقوريتها واستثنائيتها وغطرستها لتعلن تأييدها لتطلعات «شعب» هونغ كونغ..
الاوضاع في هونغ كونغ لم تزل تحت السيطرة واحتمالات انزلاقها الى ما هو اسوأ واردة, ليس فقط في شأن رفض رئيس حكومتها ..الاستقالة, واعلان المتظاهرين أنهم سيتوقفون عن التظاهر على الاقل «مؤقتاً» في غضون فترة قصيرة، في حال استقال رئيس الحكومة, وانما ايضاً في أن ذلك لو حدث (الاستقالة) فإنه سيسجل تراجعاً في موقف بيجين، التي تعلم أنه لن يكون كافياً في نظر المتظاهرين، وستتزايد مطالبهم المقتصرة (حتى الان) باجراء انتخابات عامة في عام 2017، تسمح لهم بانتخاب رئيس الحكومة وليس في اطار قائمة تأتي من بيجين.
التوتر في علاقات الصين بالولايات المتحدة مستمر، وهو في حال هبوط وصعود، يتأثر بما تسميه واشنطن تصاعد الانفاق العسكري الصيني وأرقام التجارة البينية وفي ديون الصين على اميركا وضخامة امتلاك بيجين لسندات الخزينة الاميركية, ناهيك عن الصراع الذي لا يتوقف على الساحة الافريقية, والذي يأخذ طابع الكرّ والفرّ, كذلك في شأن علاقات بيجين المتنامية وذات الطابع الاستراتيجي مع موسكو بوتين في مواجهة واشنطن, فضلاً عمّا بدأت تشكله مجموعة «بريكس» من هموم (ولو في حدها الادنى حتى الان) لساكن البيت الابيض الاميركي، (الحالي والمقبل), الذي اعلن أن الصراع الاهم الذي من المرجح ان تخوضه بلاده مع منافسيها واعدائها، سيكون المحيط الهادئ وليس الشرق الاوسط, كما بقيت الحال عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الان..


قصارى القول: أن أمل واشنطن بحدوث تيان آن مين ثانية، سواء في اتساع تظاهراتها أم في تدخل الجيش الصيني وسقوط الضحايا.. سيخيب, لأن بيجين تعلمت من الدرس السابق كثيراً، وهي ايضاً اكثر ثقة بنفسها وقدرتها على احتواء تظاهرات هونغ كونغ، التي لا يمكن فصل التدخل الخارجي في تأجيجها.
&