سمير عطا الله

هربت حياة بومدين أولا من فرنسا إلى إسبانيا. وهذا أمر عادي: فتاة أوروبية تنتقل ضمن بلدان الوحدة، فلا مجال لإثارة الشك. ثم طارت من مدريد إلى إسطنبول. أيضا أمر عادي. فالمدينة التركية وجهة السيّاح والزوّار منذ زمن. ولكن، ألا يثير شكوك الأمن التركي أن حياة بومدين قررت المضي في الرحلة السياحية إلى سوريا؟
يفترض أن دولة في حجم تركيا وطاقاتها الأمنية، تعرف تماما أنها المدخل الأساسي إلى حروب سوريا، وليس الأردن، ولا لبنان. من مدنها المجاورة (عنتاب) يدير الأميركيون كل أعمالهم هناك، وليس من أنقرة. ومن هذه المدن «يتسلل» المتطرفون علنا. ومنها المؤن والأسلحة وسواهما. ومنها أيضا حياة بومدين، التي تطلبها فرنسا في اتهامات كثيرة.


ظلت تركيا «العثمانية» بعيدة عن العالم العربي، لا تريد حتى النظر إليه. وفجأة، قررت أن تصبح محور كل قضاياه: تتدخل في سوريا والعراق، وترسل أرتال الدبابات إلى كردستان، وتعمل ضد الرئيس المنتخب في مصر، ولا ينسى رئيس وزرائها أن يتخذ مواقف ضد همجيات نتنياهو لا تتجاوز كتابات الصحافيين الأوروبيين، وكل من لديه حد أدنى من المشاعر الإنسانية والكرامة البشرية.


هناك أكثر من تركيا: أولا، تركيا الأطلسية الحليفة القديمة لأميركا. وهناك تركيا جارة روسيا التي تنفتح على فلاديمير بوتين. وهناك تركيا المعادية للنظام السوري والمتعاونة مع النظام الإيراني. وهناك تركيا العائدة إلى العرب من بوابة قطر والمغلقة بوابة مصر. وهناك تركيا الحاضنة للمعارضة السياسية السورية، والفاتحة حدودها مع سوريا للمقاتلين القادمين من جميع أنحاء أوروبا وروسيا، والذين تُلتقط لهم صور في المطار، كما التقطت صورة حياة بومدين القادمة في رحلة سياحية ترفيهية في سوريا.


من الصعب على أنقرة أن تختار تركيا واحدة تكونها، خصوصا إذا كان في الحكم رجل إمبراطوري ورئيس وزرائه من كبار منظِّري الإمبراطورية. لكن أيضا السير في كل هذه الاتجاهات المتعاكسة لا بد أن يؤدي، في مرحلة ما، في مكان ما، إلى التصادم مع جهة، أو أكثر.


وليس من الحكمة ولا من الدبلوماسية، أن تختار تركيا التصادم مع كبار العرب، ولا أن تتجاهل كراماتهم، ولا أن تثير في نفوسهم ذكرى التصرفات الإمبراطورية. لقد تحولت حياة بومدين إلى قضية بسبب شهرتها. لكن ثمة عالما من القضايا لا يعني أوروبا وحدها، بل العرب أيضا. أو بالأحرى، خصوصا العرب..