محمد خروب
&
ثمانيةُ أشهرٍ انقضت على فراغ كرسي الرئاسة في لبنان، بعد ان عجزت «الطبقة» السياسية الحاكمة عن ايجاد صيغة يرضى عنها طرفا الصراع الابرز وهما تيار المستقبل وحزب الله (حتى لا نقول 14 و8 آذار) لانهما المرجعية وصاحبا القرار والقدرة (فيما لو رغبا) على دعوة الحلفاء للتوقيع والالتزام بما يتوصلا اليه، ومعروف انهما في خندقين متقابلين يصعب تصور خروجهما منهما، الا في اطار تسوية اقليمية ذات مروحة واسعة من الملفات، ولن يتمكن لبنان من «الظفر» بالخروج من ازماته المتفاقمة التي تُشّكِل ازمة «الرئاسة» فيها فاصلاً ثانوياً مقارنة بما هو عليه الصراع الاقليمي المحتدم والتدخلات الدولية على اكثر من ساحة - كلها من أسف - ساحات عربية، يجلس فيها داعش بين «الكبار» الاقليميين والدوليين كطرف استطاع ان يُؤِلف - اقرأ يؤلب - بين قلوب ومشاعر متناقضة لم يجمعها ذات يوم حب او احترام متبادل، لكنها مشيئة الكبار وغطرسة القوة وعنصرية السيد الأبيض.
&
اليوم، وعلى وقع وارتدادات وتداعيات عملية العربدة الاسرائيلية في القنيطرة السورية وسقوط عدد من قيادات وكوادر حزب الله، وتوعّد الحزب بالرد (كذلك هددت ايران بعملية قاسية) ينعقد مجلس الوزراء اللبناني (الذي يقوم مُجْتَمِعَاً بمهام رئيس الجمهورية)، الأمر الذي قد يزيد من التوتر بين وزرائه الذين يُشكُلون (ولو إسمّياً) حكومة وحدة وطنية تضم كافة الافرقاء باستثناء «قوات» جعجع، وكادت الحكومة أن «تطير» في الاسبوع الماضي على خلفية ما يُعرف بمَطْمَر الناعمة (مكب نفايات داخل قرى في منطقة الناعمة وتقع في نفوذ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط)، الا انها تجاوزت هذا الاستحقاق عبر عملية التفاف على موعد اغلاقه الذي كان مقرراً في السابع عشر من الشهر الجاري وجرى التمديد له لثلاثة أشهر، ما جنّب البلاد ازمة «فراغ» آخر، سيأخذ اتجاهه هذه المرة نحو الطائفة السُنيّة صاحبة «الحق» في الرئاسة الثالثة (رئاسة الحكومة)، الا ان التطورات على الجولان السوري المحتل وسقوط هذا العدد من الضحايا وبينهم نجل «رئيس أركان» حزب الله.. عماد مغنية، وضع لبنان في عين العاصفة وراحت دعوات التهدئة وضبط النفس وغيرها من المصطلحات المغسولة، تتداول في المشهد اللبناني مصحوبة بتصريحات مُستفِزة ولكن حذرة (بعض الشيء) يطلقها بعض «صقور» فريق 14 آذار، الذين ما زالوا يقيمون عند خطابهم القديم الذي سبق الحوار الذي بدأ بين حزب الله وتيار المستقبل مؤخراً من قبيل طرح اسئلة استنكارية تفوح منها رائحة الادانة والتشفي: ماذا يفعل حزب الله في القنيطرة؟
&
واذا كان حزب الله قد أدار ظهره قبل ذلك لسؤال مشابه طرحته تلك القوى مفاده ماذا يفعل حزب الله في سوريا؟ فإن اليوم وقد فرضت اسرائيل - أو حاولت - قواعد لعبة جديدة, غير معني بالاجابة على سؤال عدمي كهذا، يعرف ان من يطرحه انما يريد التخفي خلف الشماتة التي يُبديها ازاء ما يسميه بعضهم الصفعة الاسرائيلية والتي جاءت مباشرة بعد حديث السيد نصر الله الطويل والمثقل بالرسائل والتحدي الى قناة الميادين, ما وضعه امام تحد مختلف، يصعب عليه التجلّد ازاءه أو ابداء أي نوع من التلعثم, بعد ان ضربت اسرائيل «محور الشر» الثلاثي، حيث تواصل اطلاق هذه الصفة عليه وهم هنا سوريا (تم على ارضها) وايران (بسقوط العميد علي دادي) وحزب الله (باستشهاد ستة من كوادره المتقدمة بينهم نجل عماد مغنية)..
&
لبنان تجاوز اكثر من «قطوع» خلال السنة التي انقضت على تشكيل حكومة تمام سلام، بعد تعثر استمر عشرة اشهر، لم يستطع خلالها اعلان اسماء فريقه الوزاري او الاعتذار, الذي كان سيسحب من رصيد فريق 14 اذار وبخاصة تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري, الامر الذي يعني أن «النجاح» الذي اصابته هذه الحكومة وبخاصة بعد التفجيرين الانتحاريين في جبل محسن (العلوي كما يجب التنويه) وقبله في فرض الخطة الامنية على مدينة طرابلس وخصوصاً باب التبانة (السُنّي) ودائماً في اكتشاف خلايا نائمة واخرى «صاحية» للجماعات الارهابية مثل داعش والنصرة وموقفه الحازم في جرود عرسال, فضلاً عن اعادة الامن الى سجن رومية وتفكيك غرفة العمليات الارهابية التي اقامتها الجماعات المتطرفة داخل السجن وخططت واصدرت الاوامر، لتنفيذها في اكثر من مكان لبنان, نقول: لا نحسب ان الفريقين (8 و14 اذار) في وضع يسمح لهما اطاحة هذه الانجازات والعودة الى دائرة التوتير والمواجهة, ولهذا سيحرص الطرفان على اشاعة لغة «هادئة» في جلسة مجلس الوزراء، اللهم إلا خرج أحد صقور (وهم قلة داخل الحكومة) ليستفّز الحزب ويرفع من منسوب المزايدة واحتكار الوطنية, والزعم بأن لبنان لا يحتمل المزيد من «المغامرات» على ما قال جنبلاط في تصريح مستفز بعد العدوان الاسرائيلي, عندها قد تكون حكومة سلام في مهب الريح, لأن مواصلة الهرطقة بأن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون في يد الدولة, يقود الى سؤال اكثر موضوعية وأهمية: أين هي الدولة التي عنها.. تتحدثون؟