علي سعد الموسى

نعم، بكل تأكيد، أعتقد أن الظرف والمساحة يسمحان بالنقاش الجاد الخلاق عن قصة رائف بدوي وبالخصوص بعد أن تحولت إلى قصة رأي عام عالمية، لا يمكن لتلفزيونات الدنيا وصحف الكون أن تكتب وتتحدث عن قصة داخلية ثم نصمت نحن عن التفكيك والحوار والمجادلة. نظام القضاء الشرعي السعودي نفسه يسمح بمساحة كبيرة لنقاشه والاعتراض القانوني على أحكامه والاستئناف عليه، وما سأكتبه اليوم قد لا يختلف عن أوراق المحامين الذين دافعوا عن القضية، وما أكتبه لا ينتقص أبدا من احترام نظامنا القضائي والقبول بأحكامه النهائية.

وأولا أكاد أجزم أن الضجة المحلية وردة الفعل الهائلة من حولنا في هذا العالم على هذه القصة تعود في جذر أساس إلى أن نظامنا القضائي يفتقد مهنية الذراع الإعلامية التي تشرح وتبرر، وتفند الوقائع والملابسات وبالخصوص مع بعض القضايا النادرة، وأقول بشك شديد إن هذا النظام القضائي المحترم لم يكن يستبق ذهنيا ردة فعلها الجارفة، لا يوجد لدي أدنى شك أن فقد هذه الذراع التسويقية للحكم كان أحد الأسباب التي وضعتنا جميعا - قضاءً ومجتمعاً - في فخ هذا الحرج.

ثانيا، وهذا ما سيكتبه كما أسلفت محام قانوني شرعي، فأنا أعتقد أن نظامنا القضائي لم يتمكن بحبكة مكتملة أن يبني مجموع التهم الموجهة إلى رائف بدوي بالشكل الذي يقنع المجتمعين المحلي والعالمي في هرم بنائي راكز. نعم وبكل تأكيد أنا مؤمن أنه قد يكون لدى القضاء المحترم جمل واضحة تمت بها الإدانة وصدر بناء عليها الحكم، ولكنني أتحدث عن بناء التهم وترتيب أولوياتها المختلفة.


وخذ في المثال الأول أن تهما مثل بناء شبكة ليبرالية أو إهانة المجتمع لن تستقبل كتهم تؤخذ على محمل الجد في عالم مجتمعنا المحلي هذه الأيام، فكيف يقتنع بها العالم من حولنا ونحن لم نقنع بها المجتمع المباشر المستقبل؟ خذ في المثال الثاني بناء تهمة (العقوق) ومن ثم السجن بها خمس سنين في مجتمع مرت عليه من قبل عشرات قضايا عقوق الوالدين، ومنها قضايا مستفزة مثل عنف الأبناء مع الوالدين في حالات كثيرة جدا، ولكن الحكم عليها لم يصل من قبل إلى مثل هذا الرقم من عقوبة السجن. والخلاصة أنه لا موقف لدي مع أو ضد القصة أو الحكم أبدا في شيء: كل ما كتبته ليس إلا سبرا لردة فعل محلية وخارجية على هذه القصة وهي جوانب تستحق دراسة علمية جادة ومرضية.