سمير عطا الله

قبل سنوات فاتحني الشيخ فهد العبيكان، بوضع كتاب تصدره «دار العبيكان» عن مرور 50 عاما على الأمير سلمان بن عبد العزيز في إمارة الرياض. قال: فكّرنا في أسماء كثيرة، لكن الخيار وقع عليك. وكان جوابي أن إمارة الرياض صورة واحدة من الأمير؛ صورة رجل العمران والتخطيط، وهذه الأفضل أن توكل إلى رجل أكثر قربا وخبرة. أما أنا، فأتمنى أن أُعطى ما أمكن من أوراق الأمير، لأكتب عن صورة السياسي ورجل الدولة، وتلك الصورة المتمتعة بإجماع العرب والأمم على احترامها. لم يجرؤ العبيكان، ولا أنا طبعا، على أن نقترح على الأمير كتابا عنه. كان يرفض حتى مقالا عما يقوم به.


كان طريق سلمان بن عبد العزيز إلى الملك، طريقا ملكيا. تعددت صوره كرجل بناء مُبهر، ورجل دبلوماسي عريق، ورجل سياسة رؤيوي، ورجل ثقافة عميقة، ورجل شجاعة موروثة. لكن مجموع هذه الانطباعات كان يفضي إلى صورة التصرف الملوكي في تحمّل المسؤوليات والعلاقة مع الناس والأمم.


عرفت الرياض في عهده مدينة صغيرة تكاد أسوارها القديمة تبان من حولها، وشهدناها تنمو وتكبر وتتسع لخمسة ملايين نسمة يتمتعون بأرقى الأنظمة المدنية. حافظ أميرها على كل قطعة أثرية وكل جدار من الماضي، فيما وسع حداثتها في كل اتجاه. لكن الأهم من العمران هو كيف كان الأمير يقضي في شؤون الناس وقضاياهم وحاجاتهم.


كان يقود سيارته بنفسه كل يوم ليسبق الموظفين إلى الدوام. وكان مشهدا يوميا عاديا أن تراه يدقق في معاملات يضعها أمامه ثلاثة مساعدين. وخلال حرب الكويت كلها سكن في ذلك المكتب ليل نهار، لا يعود إلى منزله من أجل أن يشعر الناس بالطمأنينة، وأنه هناك كل لحظة من أجلهم.


ولطالما سألته إن كان من الضروري أن يطّلع على كل معاملة بمفردها، فكان جوابه أن كل معاملة مواطن، وكل مواطن أمانة. ولقراءة فكر الملك سلمان عبد العزيز، تحسن العودة إلى الخطاب المطوّل الذي ألقاه في تدشين مبنى جريدة «الرياض» قبل عقدين، وخلاصته: لا نسمح لأحد أن يكون أمامنا في مسيرة القومية. وأما في الداخل، فالدول تقوم على الطبقة المتوسطة، وسوف نعمل على مساندتها.


كم يليق به المُلك. مدرسة طويلة من أصول الحكم. وإنجازات لا تُحصى، وعمل عمراني سياسي لم يهدأ منذ 60 عاما. ولقد تقدمه الإجماع على مُلكه، إجماع مواطنيه وإجماع العرب، وتقدير العالم لرجل ذي حضور أخّاذ وسيرة مهيبة بكل المقاييس. كم يليق بك المُلك، خلقا وفكرا ونموذجا في الحكم والخير.