خالد القشطيني

اجتاحت وسائل الإعلام الغربي، بعد حادثة مخزن الكوشر بباريس، تقارير ومقالات بشأن تعاظم معاداة السامية في أوروبا. لم أرَ أي تحليل لأسبابها، وذلك لأنها ترتبط أساسا بوجود دولة إسرائيل ويتحاشى الجميع التعرض لذلك.
عانى اليهود طوال تاريخهم من معاداة السامية، ولكن ظهر بينهم في ألمانيا القرن الـ19 من دعا لتطبيع وضعهم وإزالة الشكوك والمخاوف تجاههم، من منطلق أن اليهودي يرتبط بالدولة التي يعيش فيها ويدين لها فقط بالولاء.
الدين بالنسبة له أمر بينه وبين ربه وليس له بعد سياسي، شأنه في ذلك شأن بقية أتباع الديانات الأخرى.


هذه حركة اليهودية الإصلاحية التي انتشرت في الغرب. وبالطبع عارض هذا المذهب الصهيونية من أساسها، نظرا لأنها تعتبر اليهودي غريبا في بلده ويحتاج لوطن يهودي يعيش فيه.


آمنت بالفكرة الإصلاحية الأكثرية الساحقة التي اعتبرت الصهيونية فكرة مرفوضة وخطرة تؤدي لإثارة الشكوك في الولاء وتزعزع الوجود اليهودي، وغصت الأدبيات اليهودية بالتقليعات والنكت التي تسخر من الصهيونية والصهاينة.


ونظر سائر اليساريين والليبراليين اليهود نظرة سيئة جدا للصهيونية وحذروا منها. عارضوا بشدة إصدار وعد بلفور واعتبروه وثيقة معادية للسامية وتثير الشكوك في ولاء اليهود ووطنيتهم. حتى مجلس النواب اليهود (المؤسسة الرئيسية للطائفة في بريطانيا) أصدر بيانا يشجب ويحذر من نتائج هذا الوعد. وقدم مونتكيو، أحد الوزراء اليهود، مذكرة شديدة لحكومته ضده وقدم استقالته احتجاجا.


ومن الجهة الأخرى، عارضه الكثير من ساسة بريطانيا وخبرائها، ورأوا أن إقامة دولة يهودية في هذه المنطقة ستضرم النار فيها، وتثير مشاكل لا نهاية لها مع العالمين العربي والإسلامي.


غير أن ظروفا عالمية شاذة، أهمها قيام النازية في ألمانيا وسياسة المحرقة وطموحات ستالين في المنطقة، عززت الجانب الصهيوني ومكنته من إقامة الدولة. وأخيرا ساهمت حماقات وتخبطات بعض السياسات العربية في توسعها وتعزيز شأنها ولم أبناء الطائفة عالميا حولها.


ولكن لإسرائيل أيضا حماقاتها، ومنها عجزها عن تحسين علاقاتها مع الدول العربية، وإساءة معاملة الفلسطينيين إلى الحد الذي حول الرأي العام العالمي ضدها.


كان ضربها الشنيع لغزة وجنوب لبنان، حيث يسود الإسلاميون، استفزازا لسائر المسلمين. إنها الآن تواجه العالم الإسلامي برمته حيثما وجد مسلمون. فقدت حليفتها التقليدية إيران وساءت علاقاتها مع تركيا. هذا ما سبق وحذر منه العقلاء، من يهود وأغيار. أصبحنا نرى في الغرب في هذه الأيام شتى الاستبيانات عن ولاء اليهود ومكانتهم، وما أخذوا يتعرضون له. شمل أحد الاستبيانات هذا السؤال: إذا شبت حرب بين إسرائيل وبريطانيا فمع من ستحارب؟ وأخذت الاتهامات المعادية للسامية تتجدد على ألسنة الجمهور، كما تذكر الصحف.


وصرح أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أنه يتوقع هجرة اليهود من أوروبا. وهناك بوادر تشير لذلك. بالطبع يفرح الصهاينة لذلك. ولكن أين سيذهبون؟ وكيف ستمتصهم إسرائيل؟ وما هي النتائج؟ أفلا يمكن القول إن الصهيونية قد أحيت الآن «المشكلة اليهودية» التي كنا نسيناها وبعثت معاداة السامية من قبرها؟