عبدالله بن بجاد العتيبي

انتقال السلطة في السعودية سلس وموضع ثقة للشعب وللحلفاء في المنطقة والعالم، هذا هو اختصار ما جرى في الساعات الأولى من صباح الجمعة الحزين الماضي.


لن توفي الراحل الكبير الملك عبد الله بن عبد العزيز كلمات وعبارات مهما بذل فيها من جهد، فرؤيته ومشاريعه وإنجازاته ومواقفه التاريخية وتفاني فريق عمله المكلف، ستظل تحكي عنه عبر التاريخ الذي سجل اسمه فيه بأحرف من نور وبمداد من صدق وعزم وإخلاص مع محبة خالصة ملأت قلوب شعبه والشعوب العربية وحصدت احترام العالم.


غير أن تلك اللحظة الحاسمة أرسلت رسالة واضحة للشعب السعودي وللعالم أجمع بأن مؤسسة الحكم السعودي موحدة ومنظمة وملتزمة بما هو معلن ومعروف للكافة، فقد تولى الملك سلمان الحكم بشكل طبيعي، لأنه كان ولي العهد وتولى ولاية عهده الأمير مقرن ضمن آلية هيئة البيعة المعلنة والمقرة سلفا وبسلاسة ويسر ووحدة وإجماع.


ولئن كان هذا الانتقال السلس للسلطة يعتبر أمرا بينا لدى العارفين بالشأن السعودي، فإنه يمثل ردا بليغا على كل الخصوم الذين لم يزالوا يثيرون البلبلة في كل حين تجاه هذا الموضوع المهم، ولقد جاءت الأوامر الملكية المظفرة الأولى للملك سلمان بن عبد العزيز بأكثر من هذا، فقد أعلن عن تعيين الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لمجلس الوزراء والأمير محمد بن سلمان رئيسا للديوان الملكي ووزيرا للدفاع، فماذا يعني ذلك؟
إنه يعني الانتقال السلس في تراتبية السلطة إلى الجيل الثالث من أبناء المؤسس، أي جيل الأحفاد، وهو ما يكرس الثبات والاستمرارية في مسيرة الاستقرار السعودي مع ضخ دماء شابة ممثلة في كل من الأمير محمد بن نايف، والأمير محمد بن سلمان، مما يفتح أفقا رحبا للاستقرار السياسي الذي هو عماد الوحدة الوطنية ووقود الأمل في المستقبل.


إن الاستقرار السياسي مع التطوير المتدرج الذي سارت عليه الدولة السعودية طوال تاريخها هو واحد من أهم عوامل استمرار الدول بما يحمله من رسوخ في المشروعية السياسية ووحدة في القيادة وقوة في الدولة، وهو ما جرى في السعودية حين أقر الملك فهد أنظمة الحكم الثلاثة ومنها النظام الأساسي للحكم (مارس 1991) الذي نص على انتقال السلطة إلى «الأصلح» من أبناء الملك عبد العزيز مرورا بإقرار الملك عبد الله لنظام «هيئة البيعة» أكتوبر (تشرين الأول) 2006، والذي طبقه بنفسه، وصولا إلى استمرار الملك سلمان على ذات النهج وتطبيقه بحسب الأوامر الملكية يناير (كانون الثاني) 2015.


الملك سلمان رجل دولة ذو قدم راسخة فيها، فهو تسنم إمارة الرياض لعقود خمسة، وهي إمارة تفوق مساحتها وتعدادها السكاني كثيرا من دول العالم، فأدارها بكل جدارة واستحقاق، وسجل فيها إنجازات لم تزل شاهدة على فترة إمارته وفرادة رؤيته، وقد تسلم الكثير من الملفات الداخلية والخارجية على مدى فترات حكم إخوته الملوك السابقين وأنجز مهامه فيها بحكمة ونجاح كما أنه اختار مرارا رجالات دولة تسنموا وزارات مهمة ومسؤوليات جسام أثبتت نجاحاتهم ثاقب نظره وصواب رؤيته.


وهو من قبل ومن بعد كان «أمير الولاء والوفاء» مع إخوانه في الرخاء والشدة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، ومواقفه معهم تاريخية واستثنائية، ومن جهة أخرى فهو كان «أمير الثقافة» المهتم بالتاريخ، والقارئ النهم وله في ذلك أبحاث علمية منشورة، وهو أنشأ دارة الملك عبد العزيز لتكون ذاكرة الدولة وخازنة التاريخ، وهو كذلك «صديق الصحافيين» الذي كان يتواصل معهم بشكل شبه يومي ناقدا ومناقشا للمعلومات والأفكار، وهو بعمله الحكومي وبجهده الشخصي كان على تواصل دائم مع كل أفراد الشعب، فتكاد تجد له قصة مع كل مواطن، وهو وإن لم يعرف بعضهم فهو بحكم اطلاعه يعرف مناطقهم وأنسابهم وقبائلهم وحكاياتهم.


وعندما تسنم الملك سلمان وزارة الدفاع سعى لتحديثها وتطويرها لتكون حامية استقلال الوطن وراعية سيادته، ثم أصبح وليا للعهد وعضدا أيمن للمليك الراحل، وجال العالم باحثا عن مصالح بلاده ومدافعا عن حقوقها وبانيا لعلاقات دولية متينة تزيد بلاده قوة ورفعة.


كرجل دولة حقيقي يعي المخاطر المحدقة والتحديات القائمة قال ولي العهد الأمير مقرن في كلمته: «في هذا الوقت الحرج الذي تمر به الأمة، والذي هو بأمس الحاجة إلى حنكة وخبرة مقامه الكريم (الملك سلمان) التي استمدها من عمله السياسي الدؤوب الذي اضطلع به منذ نشأته في عهد الوالد المؤسس الملك عبد العزيز»، والأمير مقرن هو أصغر أبناء المؤسس الأحياء وختام الجيل الثاني من الأسرة المالكة، وهو ذو تجربة فريدة، فهو عسكري كان طيارا مقاتلا ثم تحول للإدارة الحكومية أميرا لمنطقة حائل ثم المدينة المنورة، حيث التعامل المباشر مع مشكلات المواطنين، ثم قائدا لجهاز الاستخبارات، حيث الاطلاع العميق على صراعات المنطقة والعالم، ثم نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، حيث وقف على الملفات السياسية والأمنية والإدارية في الدولة ثم وليا لولي العهد ثم وليا أمينا للعهد.


اختيار الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وليا لولي العهد جاء عبر آلية «هيئة البيعة»، وكما جاء في الأمر الملكي فإنه «وبعد الاطلاع على ما عرض على أعضاء هيئة البيعة حيال اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود وليا لولي العهد وتأييد ذلك بالأغلبية» وأتبع ذلك بأمر ملكي بتعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء.


الأمير محمد بن نايف، هو رجل الدولة «القوي الأمين»، فهو مهندس النموذج السعودي المبهر للعالم في الحرب على الإرهاب، والذي أشادت به نتائج خططه ومتابعته وعمله الدؤوب على الأرض قبل شهادة دول العالم له، واهتمامه بخدمة المواطن تشهد له خدمات وزارته التي تعد من الأرقى والأيسر والأسرع في العالم.


لا يوجد في العالم نموذج للحكم صالح لكل زمان ومكان، ولا توجد آلية موحدة لانتقال السلطة، والسعودية تعتمد الاستقرار والتطوير المتدرج نهجا سياسيا كما تمتلك نموذجا جديرا بالإشادة في انتقال السلطة بسلاسة وثبات، ودون فتن أو اضطرابات من أي شكل أو لون.


رسائل السعودية اليوم، دوليا، نحن دولة مستقرة ومستمرة في التطوير، وإقليميا، نحن دولة قوية بسياساتها وتحالفاتها، وداخليا، ستستمر مسيرة الوحدة والاستقرار والرخاء والأمن والأمان.
أخيرا، رحل ملك عظيم وجاء ملك عظيم، لن تكفي الكلمات ذكر فضائل عبد الله ولا الآمال المعقودة على سلمان، ولكن المسيرة مستمرة قوية وراسخة ومظفرة.