عزيزة المانع

حين يكون الإنسان عظيما حقا، يظل عظيما حيا وميتا، وحين يكون الإنسان زعيما مخلصا وقائدا حريصا على تحقيق ما يرجوه أبناء شعبه وتهفو إليه قلوبهم، فإنه لا مكان يسعه أكثر من احتلال القلوب. هكذا كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين ــ تغمده الله بواسع رحمته.


عندما يكون الفقد عظيما، والفقيد حبيبا، تأتي الكلمات قاصرة، خاوية، عاجزة عن الوفاء بالمعاني، لا شيء يمكن أن يعبر عن عمق الحزن والأسى لفقد الملك عبدالله، فقد كان واسطة العقد الذي جمع شمل الأمتين العربية والإسلامية، بل شمل العالم، بذل المال والرأي والجهد، ودعا إلى تأسيس قاعدة للحوار البناء بعيدا عن الشقاق والتنازع، وكان دائما السند الذي يلاذ به كلما اشتد الأمر وقويت الأزمات.
الزعماء الأفذاذ، والقادة المبرزون لا يموتون، قد تغيب صورهم عن المشهد العام، لكنهم لا يموتون، تظل آثارهم وأفكارهم وأعمالهم تسكن داخل ملايين القلوب التي ارتوت بغزير عطائهم، واستظلت بعدالة أنظمتهم. كان الملك عبدالله سندا للفقير والضعيف، رفيقا بالنساء، في عهده حققت المرأة مكاسب كبيرة، وفتحت لها الأبواب واسعة نحو العلم والعمل والتمكين القيادي والاقتصادي، كانت حياته دعما وأمانا لكثير من أبناء شعبه.
وبحمد الله، على الرغم مما يعيشه الوطن من الحزن وما يظل يقرع في صدره من أثر المصيبة العظيمة، إلا أنه استطاع أن يتمالك نفسه وأن يشد من عزيمته فيتهيأ لمواصلة الحياة من جديد، فجرى نقل السلطة وتنظيم الحياة السياسية الجديدة للمملكة بسلاسة وحذق يتطلبه الموقف الراهن الذي تعيش فيه بلادنا هذه الأيام، فكان أن سرت الطمأنينة إلى القلوب، وخزيت كل الأقلام والألسن التي كانت تترقب الشر لهذه البلاد وأهلها.
نبتهل إلى الله الرحمن الرحيم العفو الغفور، أن يتغمد فقيد الأمتين العربية والإسلامية الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، بواسع عفوه ومغفرته، وأن يجزيه عن أمته ووطنه وأبناء شعبه عظيم الجزاء، وأن يوفق خليفته الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ حفظه الله، خادما للحرمين وراعيا للأمة والوطن، حاملا للمسؤولية، مؤديا للأمانة، وأن يسدد خطى ولي عهده الأمين سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز ــ حفظه الله، وأن يجعل عهدهما زاهرا بالأمن والخير والعزة لبلادنا ولأمتينا العربية والإسلامية.