&عبد الوهاب ابو داهش


من وسط الأحزان يبزغ الأمل في استمرار النمو والاستقرار. فالحزن الشديد الذي عم البلاد بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله وأسكنه فسيح جناته، جابهه قرارات مطمئنة للغاية، من خادم الحرمين االشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، تشير بأن النمو والازدهار الذي دام لتسع سنوات مضت سيستمر لسنوات قادمة، فالتغيرات التي حدثت في رأس الهرم لم تكن سلسلة وقوية فقط، بل فتحت أيضاً نافذة على مستقبل مشرق بعيد المدى بسلاسة الانتقال الى عهد الجيل الثاني من العائلة الحاكمة، ما أعطى هذه التغيرات قوة ومتانة وأضافت ثقة لاحدود لها بأن مسيرة الملك الراحل ستستمر كما هو الحال مع كل الملوك الذين خدموا هذه البلاد. فالحكومة التي لم يمض على تشكيل معظم أعضائها الا أسابيع قليلة ستستمر، وبقيادة أكثر قوة وصلابة متمثلة في الملك المتمرس والخبير سلمان بن عبدالعزيز و ولي للعهد من أبناء المؤسس يتسم بخبرات ومهارات عالية في المتغيرات الحديثة في شتى المجالات ، مع التمسك بمنصب ولي لولي العهد الذي ازداد قوة بتعيين أحد امراء الجيل الثاني الأقوياء.

كانت مسيرة الراحل الملك عبدالله رحمه الله مليئة بالانجازات المالية والنوعية وفي عدة مسارات، حيث شهدت البلاد في عهدة التحول الحقيقي الى دولة التشريعات والهيئات التنظيمية للقطاعات الاقتصادية القابلة للتخصيص، واكبها رصد نحو سبعة مليارات ريال لتطوير وتحديث الجهاز القضائي ليواكب المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد. وتأتي أهمية تحديث البيئة التشريعة والقانونية لأنها الأقل تكلفة والأكثر فاعلية في تحسين أداء الأسواق و زيادة ثقة المتعاملين فيها مايرفع من الاستثمارات والانتاجية. فعلى سبيل المثال، أنشأ هيئة السوق المالية بأنظتها الحديثة، وأنشأ هيئة الاتصالات، وأخرى للكهرباء والانتاج المزدوح. وفي سوق العمل ركز على مشاركة المرأة والتي تشكل نحو 50% من السكان، وفي نفس الوقت تعتبر مكونا كبيرا لارتفاع نسبة البطالة في البلاد. فشجعها وأخذ بيدها ليعين أول امرأة في منصب نائب وزير في قطاع التعليم. وفتح مجلس الشورى لمشاركة أول ثلاثين امرأة في تاريخ المملكة العربية السعودية. ويأتي تمثيل المرأة في الشورى من أعلى النسب بين البرلمانات العالمية. ولأن المواطن ورفاهيته هو همه الأول والأخير، فقد زاد الانفاق بشكل كبير على التعليم والصحة فأصبحت ميزانية التعليم في 2014 تتجاوز 200 مليار ريال مقتربة من ميزانية الحكومة كاملة في 2002 حيث كانت نحو 233 مليار ريال، ورفع الانفاق على الصحة ليصل 108 مليار ريال، ممثلة نصف انفاق ميزانية 2002. وفي نفس الوقت اعتماد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث بإنفاق يتجاوز 22 مليار ريال لأكثر من 185 ألف مبتعث ومبتعثة. ناهيك عن الزيادة الكبيرة في عدد الجامعات التي اقتربت من 30 جامعة، مع ارتفاع كبير في عدد المستشفيات والمراكز الصحية بنسب فاقت التوقعات. ويساند كل هذا النمو والتغيرات تطورات أخرى في البنية التحتية من تحديث للطرق والموانئ والمطارات وترسية مشاريع فاقت مئات المليارات منها النقل العام الذي أصبح في عهده واقعاً بدأ فعليا بقطار المشاعر، مع بدء تنفيذ النقل العام في الرياض بمبلغ يتجاوز 80 مليار ريال، وسيتوالى ذلك في الغربية والشرقية. وفي مجال الطاقة، ادرك الراحل الاستهلاك الكبير للمورد الوحيد الناضب "النفط" فسعى الى رصد أكثر من 100 مليار ريال لبناء بدائل للطاقة النفطية، و دعم مركز كفاءة الطاقة لايجاد حلول عملية وطويلة المدى لاستخدمات الطاقة بأكثر فاعلية وكفاءة حتى نصل الى معايير استهلاك مقبولة عالميا. ولايمكنني حصر كل انجازات الراحل رحمه الله في هذه المقالة، فلغة الأرقام تجيب على ذلك بنمو اجمالي الناتج المحلي بنسبة 133% من نحو 1.2 تريليون ريال في 2005 الى أكثر من 2.8 تريليون ريال في 2014، ويمتوسط 15% سنويا.

كل ذلك يشكل انطلاقة جديدة وقوية لعهد زاهر وجديد في رجل المرحلة الحالي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله. فقد أبقى على الحكومة التي ساهمت في هذه الانجازات، ورتب البيت السعودي ليبدو أكثر قوة وصلابة في مواصلة المشوار في تحديات صعبة للغاية. فعصره يبدأ بأسعار نفط منخفضة للغاية وسوق نفطية مضطربة ما قد يعيق مسيرة الانفاق والنمو، الا أن الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها الملك سلمان وقربه من أحداث جسام في تراجع النفط الى حدود 10 دولارت في الثمانينات والتسعينات، ودخول المنطقة في حروب طويلة منذ الثمانينات حتى الآن، حيث يعتبر أحد أركان صناع القرار في تلك الفترات، يجعلنا نشعر بأن السفينة في يد ربان أكثر خبرة وتجربة في تجاوز أية صعاب مستقبلية خصوصا وأن قراراته الأولية ومن اليوم الأول تشير الى قوته في حسم الأمور واستعداده لمجابهة أية صعاب مستقبلية مهما كانت.
&