&محمد السعيد إدريس

&

& التحديات لا تنشأ فجأة لأنها بالضرورة عمل تراكمي، ومن ثم فإن غياب قائد أو زعيم قد لا يعنى حتمياً ظهور تحديات جديدة، لكن الواقع العملى لا يغفل مكانة القادة وأدوارهم المحورية فى التعامل المسئول والفعَّال مع الأزمات والتحديات، ولا ينكر مدى قدرة هؤلاء القادة على صنع السياسات وتحقيق الإنجازات

بهذا المعنى نستطيع أن نتصور مدى ما يمكن أن يحدث بغياب قائد تاريخى أثبت جدارة على المستويين؛ مواجهة التحديات بكفاءة وتحقيق الإنجازات بفعالية، وبهذا المعنى أيضاً نتساءل عن «فراغ القيادة» الهائل الذى ولّده غياب الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى المملكة العربية السعودية من منظور مواجهة التحديات، ما هو موجود منها وما هو مستحدث أو متوقع سواء كانت هذه التحديات من مصادر داخلية أم من مصادر خارجية.
فالملك عبد الله كان، وعلى مدى عقود مضت فى قلب السلطة والحكم بالمملكة، منذ أن تولى فى منتصف الستينيات رئاسة الحرس الوطنى الذى يتولى بالأساس حماية الحكم فى المملكة، أى حماية النظام الحاكم والدفاع عن العرش السعودى بقوات تعتمد فى تكوينها على أبناء القبائل السعودية، وفى عام 1982 أصبح الملك عبدالله ولياً للعهد بعد وفاة الملك خالد وتولى الملك فهد الحكم فى المملكة. وإلى جانب ولاية العهد أصبح الملك عبدالله نائباً لرئيس الوزراء وظل رئيساً للحرس الوطني، لكنه تولى مسئولية الحكم الفعلية منذ عام 1995 بعد أن استحكم المرض بالملك فهد، إلى أن أصبح ملكاً رسمياً عام 2005 عقب وفاة الملك فهد، ما يعنى أن الرجل كان فى قلب الحكم والسلطة بالمملكة منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، الأمر الذى أعطاه خبرة وكفاءة هائلة فى مواجهة التحديات، وقدرة على التكيف مع المطالب المتجددة داخل المملكة والتعامل بكفاءة مع المتغيرات المتلاحقة فى الخارج.

كيف ستتعامل القيادة السعودية الجديدة مع هذه التحديات وعلى الأخص التحديات الداخلية والإقليمية: التحديات الخاصة بإدارة الحكم والتنافس داخل الأسرة الحاكمة، التنافس بين الأجيال والتنافس بين الأجنحة والفروع، التحديات الخاصة بمطالب الإصلاح فى ظل تراجع ما كان يسمى بـ «دولة الرفاه الاجتماعي» التى كانت تقايض التخلى عن مطلب المشاركة السياسية بـ «الرفاه الاجتماعي» والتحديات الإرهابية التى أخذت تمتد من العراق إلى داخل المملكة.

كيف ستواجه القيادة الجديدة تحديات النظام الإقليمى فى الخليج فى ظل التنازع حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، وفى ظل التشكك فى جدية المظلة الأمنية الأمريكية (الحليف التاريخي) وفى ظل التطور المحتمل فى العلاقات الأمريكية- الإيرانية؟ وكيف ستتعامل القيادة الجديدة مع التحديات المتصاعدة فى اليمن بعد سيطرة الحوثيين على قصر الرئاسة واستقالة كل من الرئيس اليمنى والحكومة، إضافة إلى تحديات الأزمة فى سوريا والعراق ولبنان؟ كل هذه التحديات كانت موجودة وكانت قائمة فى حياة الملك عبدالله، وكان يجتهد فى التعامل معها، لكنه لم يعد موجوداً الآن. هل ستتعامل القيادة الجديدة مع كل هذه التحديات بالأسلوب نفسه وبالسياسات نفسها التى كان يتعامل بها الملك الراحل؟ وهل ستكون هذه الوسائل والأساليب والسياسات صالحة للاستخدام لمواجهة الجديد من هذه التحديات؟

لقد استطاعت القيادة الجديدة أن تظهر كفاءة نادرة فى حسم واحد من أهم هذه التحديات وبسرعة غير متوقعة حتى من أقرب من هم على صلة بهذه القيادة. فقد فاجأ الملك سلمان بن عبدالعزيز الجميع باتخاذ قرار تاريخى هو الأول من نوعه منذ وفاة الملك عبدالعزيز آل سعود بتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولى العهد السعودى الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وهو قرار كان سيكون الشغل الشاغل للكثيرين من داخل الأسرة الحاكمة ومن خارجها.

فعلى مدى سنوات مضت كان سؤال: متى تنتقل قيادة البلاد إلى الجيل الشاب من أحفاد الملك عبدالعزيز بعد أن تقدم السن فى أبناء الملك الأحياء يشغل الكثيرين، وكان التنافس ظاهراً أحياناً ومكتوماً فى معظم الأحيان بين الأمراء المتطلعين إلى تولى المنصب الكبير فى المملكة منصب الملك، وعندما اتخذ الملك عبدالله بن عبدالعزيز قرار تعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز أصغر أبناء الملك عبد العزيز لمنصب ولى ولى العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز منذ عام تقريباً، اعتبر هذا القرار عند البعض بمثابة نصف إنجاز فى طريق نقل احتكار أبناء الملك عبدالعزيز لمنصب الملك واقتراب موعد انتقاله إلى الأحفاد. من هنا يكتسب قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز باختيار الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولى العهد أهميته الكبري، لأنه حسم تنافساً كان سيفرض نفسه حتماً على الأسرة الحاكمة وأمرائها وبالذات الطامحين لتولى هذا المنصب، وبالأخص الثلاثة الذين كثر الحديث عن تطلعهم ليكونوا ملوكاً: الأمير متعب بن عبدالله، والأمير بندر بن سلطان، والأمير محمد بن نايف.

بالنسبة للأمير بندر فإن كفته تراجعت كثيراً منذ إقالته من منصب رئيس الاستخبارات السعودية وبعدها إقالة شقيقه سلمان بن سلطان من منصب نائب وزير الدفاع فى مايو 2014 على خلفية فشلهما فى إدارة الحرب ضد نظام بشار الأسد فى سوريا، أما الأمير متعب بن عبدالله الذى تولى منذ عشر سنوات منصب رئاسة الحرس الوطنى خلفاً لوالده الملك عبدالله وبرتبة وزير فإن طموحه كان الأقوى فى ظل حكم والده خاصة بعد أن تولى شقيقه الأمير عبدالعزيز بن عبدالله منصب نائب وزير الخارجية وأصبح شقيقاه مشعل وتركى أميرين لمنطقة مكة المكرمة ولمنطقة الرياض، لكن يبدو أن الأدوار المهمة التى قام بها الأمير محمد بن نايف فى العامين الأخيرين فى ظل توارى دور الأمير بندر بن سلطان دفع به إلى الواجهة بعد رحيل الملك عبدالله، وجاء قرار تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولى العهد مقترناً بتعيين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزيراً للدفاع خلفاً لوالده الملك سلمان ومشرفاً على الديوان الملكى ليفرض قدراً مهماً من توازن السلطة بين الأحفاد وليحسم الصراعات والتنافسات الداخلية ويحدد معالم الحكم فى المملكة.

هذا النجاح فى مواجهة تحدى الصراع أو التنافس على الحكم داخل الأسرة الحاكمة يحمل مؤشرات مهمة تدل على وجود مشروع سياسى عند القيادة الجديدة، مشروع له علاقة بالمستقبل فى ظل توقعات أن يكون لولى العهد الأمير مقرن وولى ولى العهد الأمير محمد بن نايف أدواراً أساسية فى قيادة هذا المشروع، ما يعنى تجديد الرؤى فى ظل مناخ من الاستقرار السياسي، وكلها مؤشرات تدل على وجود فرص مواتية أمام القيادة الجديدة للتعامل بكفاءة واقتدار مع ما هو موجود بين تحديات داخلية وخارجية وما هو محتمل من تلك التحديات.
&