‏بهجت قرني

&


فى أوج الربيع العربى وتداعيات ورش عمله المتزايدة فى الداخل والخارج لفت نظرنا نحن المحللين .. أن شوارع الدول الملكية هادئة نسبيا .. كان هذا مفهوما بالنسبة لمنطقة الخليج التى تتمتع بدخول بترولية مرتفعة تسمح بإرضاء معظم مطالب مواطنيها الاقتصادية ..

كما أن معظم سكان بعضها هم من المهاجرين الذين جاءوا لأجل لقمة العيش .. وبالتالى لا يستطيعون الخروج فى أية مظاهرات وإلا طردوا من البلاد .. ولكن ماذا عن ملكيات غير بترولية .. مثل المغرب أو الأردن؟ .. فعلا خرجت بعض المظاهرات للاحتجاج على سياسات الحكومة .. ولكنها لم تطالب بتغيير النظام أو ترديد شعار «ارحل .. ارحل» .. كما حدث فى تونس ـ مصر ـ ليبيا واليمن .. لماذا إذن تتمتع هذه الملكيات باستقرار نسبى فى خضم تمرد الشارع العربى بأسره من المحيط إلى سوريا وما بعدها .. وقد طلبت من إحدى تلميذاتى الموهوبات من الأردن أن تقارن بين بلدها والمغرب فى رسالة الماجستير .. وقد أنجزت رسالتها وأعطتها اللجنة امتيازا .. وقد أعالج تفصيلات هذا البحث فى مقال آخر .. لأن سؤال الساعة .. هل تستمر المملكة السعودية على حالها بعد وفاة الملك عبداللَّه ـ رحمه اللَّه ـ يوم الجمعة الماضي؟ .. الا يكون ترجمة اهتمامنا بهذا البلد هو أن نفهم تحدياته؟
لاحظت أن معظم الإعلام العربى يقتصر على الرثاء والرحمة والإشادة بالرجل .. عظيم العرب .. كبير العرب .. حكيم العرب .. وغيرها دون الذهاب أبعد من هذا الموقع المتكرر دون محاولة تحليل آثار غياب الملك عبداللَّه .. فالمملكة ليست دولة عادية إقليميا وعالميا .. فاللقب الرسمى للملك السعودى هو «خادم الحرمين» .. والذى يجسَّد عن حق مكانة المملكة فى العالم الاسلامى .. ليس فقط كمهد هذا الدين الحنيف .. ولكن أيضا قِبلة للمسلمين .. مما يقرب من بليون ونصف مسلم فى كل مكان تقريبا فى العالم .. من أوروبا إلى أمريكا إلى آسيا أو استراليا .. والذين يتوجهون ناحيتها فى صلواتهم الخمس يوميا .. وكل أمل حياتهم أن يزوروا هذا البلد ولو مرة واحدة قبل الوفاة من أجل الحج إلى بيت اللَّه الحرام .. وهذه إذن قوة ناعمة ضخمة قليلا ما نراها مع دول أخرى فى العالم.

ولكن قوة السعودية وتداعيات ما يحدث داخلها لا يقتصر على هذه الناحية المعنوية الهامة .. بل يمتد إلى النواحى المادية .. خاصة ثروتها البترولية .. فالسعودية تنتج خمس انتاج البترول العالمى .. كما أنها أكبر مصدر له .. وقد أعطاها هذا دورا كبيرا من النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط عالميا .. فمثلا يعتمد الاقتصاد المصرى حاليا على المعونات والاستثمارات السعودية .. بالإضافة إلى المصريين العاملين هناك .. ويكفى أن نتذكر أن الملك فيصل كان الحاكم العربى الوحيد ـ غير حافظ الأسد بالطبع ـ .. الذى تم البوح إليه بحرب اكتوبر سنة 1973 قبل أن تبدأ .. بل تم التنسيق معه لاستخدام سلاح البترول.

حاليا أيضا على المستوى العالمى .. فإن من أعضاء منظمة الأوبك تكون السعودية هى الدولة الوحيدة التى تستطيع التحكم فى أسعار البترول .. صعودا أو هبوطا .. وذلك عن طريق زيادة الانتاج العالمى أو تخفيضه .. ولم تنجح روسيا أو إيران اللتان تعانيان من انخفاض الأسعار بأكثر من النصف ـ من تقليل هذا النفوذ السعودي.

السعودية هى إذن رمانة الميزان إقليميا وعالميا .. ومن هنا أهمية مراقبة ما يحدث بها ولها .. فماذا إذن بعد رحيل الملك عبداللَّه؟!

1 ـ شخصية الملك وحكمته وسمعته هامة للغاية .. فيوصف الملك سلمان مثلا بأنه عاصر ملوك السعودية منذ وجود أخيه سعود فى الخمسينيات والستينيات كما انه استمر لعقود حاكما للرياض حتى انه يلقب بأمين سر العائلة هل يكفى هذا الرصيد لمواجهة مشاكل هيكلية.

2 ـ لان الحكم منذ وفاة مؤسسها عبدالعزيز فى سنة 1953 يشوبه التنافس بين الأشقاء والذين يمثلون أجنحة طبقا لنسبهم من والدتهم فنتكلم مثلا عن مجموعة السديرى نسبة الى والدتهم حصة السديرى والذى كان من بينهم الملك السابق ذو النفوذ القوى فهد وينتمى اليها ايضا الملك الحالى سلمان ففى الستينيات من القرن الماضى تمت ازاحة الملك سعود لصالح أخيه فيصل، الأكثر تعليما وخبرة دولية وتم آنذاك حماية الاسرة والمملكة

3 ـ تزايد المنافسة بين الأجنحة المختلفة بتزايد عدد المرشحين للوصول الى قمة الحكم فأبناء مؤسس المملكة فى تضاؤل بسبب تقدم السن والوفاة الطبيعية فيقال ان الملك سلمان هو حاليا 79 عاما كما ان اثنين من ولاة العهد الأمراء سلطان ونايف توفيا قبل أن يصلا للحكم النتيجة أنه من الضرورى أن تكون السعودية حاليا على أبواب انتقال بين الأجيال، حيث بدأ الأحفاد فعلا يتقاسمون المناصب القيادية فقد قام الملك سلمان بتعيين محمد بن نايف وليا لولى العهد، ويعين ابنه محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي، بينما الأمير متعب ابن الراحل الملك عبدالله هو رئيس الحرس الوطني، كان السن هو أحد المعايير للخلافة بين الأبناء ولكن ما هو المعيار بين الاحفاد؟ هذا فى الوقت الذى يواجه فيه الملك الجديد تحديات مواصلة التغيير فى مواجهة القوى التى تمنع المرأة مثلا من قيادة السيارة أو حل مشاكل يومية مثل البطالة المتزايدة بين الشباب وتحديات خارجية مثل سيطرة الحوثيين المتزايدة فى اليمن المجاور والذى يجعل من التحالفات الايرانية قريبة من أبواب المملكة.
&