زياد الدريس

لكل ملك أو زعيم خاصّيته التي تلتصق به في أحاديث الناس وذاكرة الشعب عن فترة حكمه. فمثلما يختلف تعامل الزعماء مع الناس، يختلف تقويم الناس للزعماء وتوصيفهم.

&

ظل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، منذ ما قبل توليه الملك وحتى ما بعد ذلك، الإنسان الشهير بعفويته وتلقائيته وبساطته. وقد نبعت هذه الخصال من عفوية البادية ووضوح الصحراء التي أمضى أبو متعب في مراتعها جزءاً غير يسير من حياته.

&

اشتهرت مواقفه العفوية مع عموم الناس في جولاته... وطرائفه مع فرادى الناس في مجلسه، كما لم يشتهر بها زعيم عربي آخر قط.

&

ثم لما أراد أن يختار (ملفّاً) يمنحه بالغ اهتمامه ويرتبط به تاريخياً، كما يفعل معظم الزعماء، اختار ملف: (الحوار)... الحوار الوطني، الحوار بين الثقافات، الحوار بين المذاهب الإسلامية، الحوار بين أتباع الأديان. كان شغفه بالحوار قد تجاوز الحدود الوطنية والإقليمية إلى الساحات الدولية المتعددة والمتنوعة.

&

لماذا اختار الملك عبدالله بن عبدالعزيز موضوع (الحوار) ليكون بَصْمَته؟!

&

الجواب ببساطة هو: بساطته.

&

لا تنجذب لمبدأ الحوار أصلاً الشخصية التي تفتقد العفوية والبساطة والتلقائية، إذ كيف لشخص يؤمن بالطبقات والحواجز والاحتفاظ بمسافات عن الآخر، أن تجذبه فكرة الحوار التي تقوم على هدم أو تقليص هذه الموانع التراتبية؟

&

انبساط الصحراء يؤدي إلى بساطة ساكنيها، واستواء أرضها يؤدي إلى تساوي مقام الناس عليها وحقهم في العيش تحت مظلة (حوار) عفوي يومي دائم.

&

العفوية والحوار صنوان، فلا عجب إذ اجتمعا في الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز.

&

قبل آخر لقاء تشرفت فيه بلقائه، يرحمه الله، برفقة مدير عام منظمة اليونسكو، أوصتني والدتي يحفظها الله بأن أبلّغ سلامها للملك!

&

قلت في نفسي: هل أفعل، وأنا في صحبة هذا الوفد الرسمي الكبير؟! ثم هل سيفطن الملك لهذا السلام من امرأة لا يعرفها؟!

&

ترددت كثيراً، لكني عزمت أن أفعل وفاءً لرغبة أمي.

&

عند نهاية اللقاء وبدء مغادرة الوفد المجلس الملكي، توقفت عند الملك بعد مصافحته، ومسؤول المراسم يرمقني، وقلت: معي لكم رسالة شفوية. قال لي: وشّي؟ قلت: أمي تسلّم عليك (هكذا قلتها بكل بساطة)، وهممت بالمغادرة فوراً لأني أدّيت المهمة وكفى. لكني فوجئت بالملك - المواطن يوقفني، ثم يسألني عن أمي وعن وضعها الصحي، كأنه يعرفها، ثم يختم أسئلته الحميمة بقوله: «قل لها عبدالله يسلّم عليك، والله الله إن كانها محتاجة شيء تعلّمني». لم تكن أمي، بحمدالله، محتاجة أكثر من هذه الكلمات اللطيفة والمشاعر الحانية من ملكٍ، في لحظةٍ ما ومن دون مقدمات مصطنعة يتحول إلى مواطن... أو شبه مواطن.

&


&